من تجارب الحياة     لزهير بن أبى سلمى
تمهيد :
إن طول عمر الإنسان  إن كان حصيفًا ذا فطنه وعلم  يكسبه خبرة بالحياة
والأحياء كان زهير كذلك، فقد نشأ نشأة ثقافية فريدة. وأصبح من كبار شعراء الجاهلية، وعاش طويلاً، وخبر الحياة، والنص يكشف تلك التجارب من خلال الحكم التى لا تصدر إلا عن مجرب حكيم.
بيئة النص:
ينتمى هذا النص إلى عصر ما قبل الإسلام، ويعكس بعض القيم الإيجابية
التى عرفها العرب فى ذلك مثل الكرم والشجاعة وحب الآخرين، كما يعكس صعوبة الحياة فى ذلك العصر حيث المعاناة فى سبيل العيش.
النص :
 سَئِمتُ تَكاليــفَ الحَياةِ وَمَن يَعِش           ثَمانينَ حَولاً لا أَبـــا لَكَ يَسـأَمِ
 وَأَعلَمُ عِلمَ اليَـومِ وَالأَمـسِ قَبــلَهُ            وَلَكِنَّني عَن عِلمِ ما في غَدٍ عَمي
 وَمَن يَجعَلِ المَعروفَ مِن دونِ عِرضِهِ      يَفِرهُ وَمَـن لا يَتَّقِ الشَتمَ يُشتـَمِ
 وَمَـن يَـــكُ ذا فَضلٍ فَيَبخَل بِفَضـلِهِ          عَلى قَومِهِ يُستَغــنَ عَنهُ وَيُذمـَمِ
 وَمَـن هابَ أَسبابَ المَنِيَّةِ يَلقَها               وَلَو رامَ أَسبابَ السَماءِ بِسُلــَّمِ
اللغويات :
سئمت : مللت × اشتقت                تكاليف : مشقات و شدائد و م تكليف   الحياة : النمو و البقاء و ج الحيوات                     حولا : عاما ج أحوال               لا أبا لك : دعاء بفقد الأب يراد بها التنبيه والإعلام                يسأم : يمل
الغد : المراد المستقبل                                      عمي : جاهل لا أعلم  
يجعل : يضع و يفعل                                    يفره : يحفظه و يصونه
المعروف:الإحسان والكرم أو كل خير أمر الله به X المنكر
عرضه : شرفه ج أعراض                               يتق : يتجنب × يواجه
الشتم : السب × المدح .                                     ذا : صاحب ج ذوو              
يك : يكن و حذفت النون للتخفيف              يبخل : يضن × يجود ، يسخو                  
فضل : إحسان ومكارم ، و ج أفضال وفضول            يستغن : يتخلى عنه  يذمم : يهان وتفل كرامته                         المَـنيِّة : الموت والجمع منايا
رام أسباب السماء : طلبها وسعى إليها ، ولازمها       هاب : خشي X أمن
أسباب السماء : أي أسباب القدر والمكتوب على المرء .
الشرح :
1 ـ كشف الشاعر عن ملله وضيقه من مشاق الحياة وشدائدها، فهو قد بلغ من العمر ثمانين عاما، فجرب الحياة بما فيها ومن فيها
2 ـ  وعلى الرغم من علمه بما مضى وما هو حاضر فإنه لا يستطيع معرفة الغيب فيما هو قادم.
3 ـ فمن بذل معروفه وإحسانه للآخرين، فقد صان عرضه، ومن بخل به تعرض للذم والشتم .
4 ـ ومن كان ذا فضل ومال، ثم منعه عن الناس، فإنهم يستغنون عنه ويذمونه.
5 ـ أما من خاف الموت، فحتما سيناله، ولم يفد خوفه نفعا، ولو أراد الصعود إلى السماء فرارا منه .
الجماليات :
البيت الأول :
1- سئمت تكاليف الحياة : كناية عن الضيق و الملل و كثرة مشاق الحياة و سر جمالها الإتيان بالمعنى مصحوبا بالدليل عليه فى إيجاز و تجسيم .
2- و من يعش ثمانين حولا يسأم : تعليل لما قبلها / أسلوب شرط للتوكيد / يسأم : نتيجة لما قبلها .
3- لا أبا لك : أسلوب خبري لفظا إنشائي معنى غرضه الدعاء بفقد الأب و جملة اعتراضية للتنبيه .
4- أسلوب البيت كله : خبري للتقرير و التوكيد .
البيت الثانى :
1 ـ وَأَعلَمُ عِلــــمَ اليَـومِ وَالأَمسِ قَبلَهُ : أسلوب خبري للتقرير و التوكيد
2 ـ ( اليوم – الأمس ) : طباق يبرز المعنى و يوضحه بالتضاد
3 ـ ( أعلم – علم ) : جناس ناقص يعطى جرسا موسيقيا للكلام و يثير الذهن و يلفت الانتباه .
4 ـ وَلَكِنَّني عَن عِلمِ ما في غَدٍ عَمي :كناية عن جهل و عجز الإنسان عن معرفة الغيب و سر جمالها الإتيان بالمعنى مصحوبا بالدليل عليه فى إيجاز و تجسيم .
5- لكنني : استدراك لمنع الوقوع في الفهم الخاطئ فهى تنفى ما قبلها و تثبت ما بعدها
6- ما : موصولة للشمول و العموم
7- ( علم X عمي ) : طباق يوضح المعنى بالتضاد .
8- بين شطري البيت مقابلة توضح المعنى و تؤكده بالتضاد .
البيت الثالث :
1 ـ وَمَن يَجعَلِ المَعروفَ مِن دونِ عِرضِهِ يَفِرهُ: أسلوب شرط للتقرير و التوكيد ، و يفره : نتيجة لما قبلها والمعروف معرفة للعموم والشمول .
2 ـ وَمـن لا يَتَّقِ الشَتمَ يُشتَمِ : أسلوب شرط للتقرير و التوكيد
3 ـ يتقى الشتم : استعارة مكنية حيث صور الشتم بعدو يتقيه الناس و سر جمالها التشخيص
4 ـ يشتم : نتيجة لما قبلها                 ( الشتم – يشتم ) : جناس ناقص .
5 ـ بين شطري البيت : مقابلة توضح المعنى .
البيت الرابع :
1 ـ أسلوب شرط للتوكيد .
2 ـ  يك : إيجاز بحذف النون للتخفيف و أصلها ( يكن ).
3 ـ  يبخل بفضله : كناية عن سوء الطبع وسر جمالها الإتيان بالمعنى مصحوبا بالدليل عليه فى إيجاز و تجسيم .
4 ـ يبخل بفضله : استعارة مكنية حيث شبه الفضل وهو شىء معنوى بشىء مادى يبخل به و سر جمالها التجسيم .
5 ـ  قومه : الإضافة للتخصيص و التوكيد .
6 ـ  يستغن عنه و يذمم : نتيجة لما قبلها و مضارع للتجدد و الاستمرار .
البيت الخامس :
1 ـ  أسلوب شرط للتقرير و التوكيد و لبيان أن الجزاء من جنس العمل.
2 ـ هاب أسباب المنايا : استعارة مكنية  يصور أسباب المنية بوحش يهابه الإنسان و سر جمالها التجسيم .
3 ـ  يلقها : نتيجة لما قبلها .
4 ـ  لو رام أسباب السماء بسلم : كناية عن استحالة حدوث ذلك
  ـ  استعارة مكنية يصور السماء ببيت مرتفع نصعد إليه بسلم و سر جماله التوضيح
5 ـ  سلم : استعارة تصريحية حيث صور الوسائل بسلم و حذف المشبه وصرح بالمشبه به و سر جمالها توضيح الفكرة برسم صورة لها .
6 ـ تأثر الكاتب فى ذلك البيت بقوله تعالى :
(أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ }  





 وَمـنْ يَجْعَلِ المَعْرُوفَ فِـي غَيـْرِ            أَهْلِـهِ يَكُـنْ حَمْدُهُ ذَماً عَلَيْهِ وَيَندَمِ
 وَمَـن يَغتَرِب يَحسِـب عَدُوّاً صَديقَهُ         وَمَـــن لا يُكَـــرِّم نَفسَهُ لا يُكَرَّمِ
 وَمَهمـا تَكُن عِندَ اِمرِئٍ مِــن خَليقَةٍ         وَإِن خالَها تَخفى عَلى الناسِ تُعلَمِ
 لسانُ الفتى نصـفٌ ونصفٌ فـؤادُه          فلم يبقَ إلا صورةُ اللحـمِ والـدمِ
اللغويات :
الاغتراب: العيش بعيدا عن الوطن، وعكسها الاستيطان،
تكريم النفس : إبعادها عن الأمور الدنيئة X إهانتها.
الخليقة : مكرمة وج خلائق ،           خالها : حسبها وظنها X تيقنها .
لسان الفتى : أي منطقه وكلامه . و ج ألسن وألسنة .  
الفؤاد : القلب و ج أفئدة .               يرق : يصعد
الشرح :
6 ـ ومن أحسن إلى من لم يكن أهلا للإحسان إليه والامتنان عليه لم يحمده، بل جحد فضله، وعندئذ يندم المحسن على ما قدم.
7 ـ و من سافر واغترب عن وطنه َحسب الأعداء أصدقاء؛ لأنه لم يجربهم،   و من لا ُ يكرم نفسه بتجنب الدَّنايا لم يكرمه الناس
8 ـ ومهما كان للإنسان ُ خلق فظن أنه يخفى على الناس علم وعرف       9 ـ فالأخلاق لا تخفى، فالمرء بأصغريه قلبه ولسانه .
الجماليات :
البيت السادس :
1- البيت أسلوب شرط لبيان أن الجزاء من جنس العمل .
2- المعروف : معرفة للتعظيم و الشمول و العموم .
3- في غير أهله : كناية عن سوء التصرف و سر جمالها الإتيان بالمعنى مصحوبا بالدليل عليه فى إيجاز و تجسيم.
4- يكن حمده ذما عليه و يندم : تشبيه بليغ حيث شبه الحمد مع من لا يستحق بالذم و الندم و كناية عن سوء العاقبة و سر جمالها الإتيان بالمعنى مصحوبا بالدليل عليه فى إيجاز و تجسيم و هى نتيجة لما قبلها .
البيت السابع :
1- البيت أسلوب شرط لبيان أن الجزاء من جنس العمل .
2- الأفعال المضارعة : للتجدد و الاستمرار واستحضار الصورة فى الخيال .
3- يحسب : توحي بالشك و الخطأ في الفهم / نتيجة لما قبلها .
4- ( عدوا صديقه ) : تشبيه بليغ يشبه العدو بالصديق / بينهما طباق .
5- يَحسِـب عَدُوّاً صَديقَهُ : كناية عن سوء الفهم و قلة الخبرة في الحياة و سر جمالها الإتيان بالمعنى مصحوبا بالدليل عليه فى إيجاز و تجسيم .
6- لا يكرم نفسه : استعارة مكنية حيث صور النفس بإنسان يكرم و سر جمالها التشخيص
7- لا يكرم نفسه : كناية عن عدم التقدير و الإجلال للنفس و سر جمالها الإتيان بالمعنى مصحوبا بالدليل عليه فى إيجاز و تجسيم ..
8- لا يكرم : نتيجة لما قبلها .
البيت الثامن :
1- امرئ – خليقة : نكرة للشمول و العموم .
2- إن خالها تخفى على الناس : إن تفيد الشك و استعارة مكنية حيث صور الخليقة بشيء مادي يخفى و سر جمالها التجسيم .
3- ( تخفى X تعلم ) : طباق يوضح المعنى .
4- تعلم : نتيجة لما قبلها .
البيت التاسع :
1 ـ لسان الفتى نصف ونصف فؤاده : حسن تقسيم يعطى جرسا موسيقيا للكلام و يثير الذهن و يلفت الانتباه .
2 ـ ولم يبق إلا صورة اللحم والدم : أسلوب قصر بالنفى و الاستثناء للتوكيد و التخصيص .
3 ـ ونصف فؤاده:أسلوب قصر بتقديم الخبر على المبتدأ للتوكيد و التخصيص
س1 ما الغرض الأساسي للنص ؟
الغرض الأساسي للنص هو الحكمة .
بم تعلل : اعتماد الشاعر على الأسلوب الخبري
لأنه يناسب غرض الحكمة الذي يؤكد الحقائق الكونية وينقل التجارب الإنسانية و جاء ذلك فى أساليب الشرط التى تعتمد على السبب و النتيجة .
سمات أسلوب الشاعر:
1 ـ حسن الإيجاز وحذف فضول الكلام ، وإيداع اللفظ اليسير المعنى الكثير.
2 ـ تجنب التعقيد اللفظى والمعنوى والبعد عن حوشى الكلام وغريبه
3 ـ إجادة المدح وتجنب الكذب.       4 ـ الإكثار من الحكم .
5 ـ قلة الصور البلاغية.               6 ـ كثرة الطباق بين الكلمات