لجوء طلاب المدارس الحكومية للدروس الخصوصية أمر تبرره معاناتهم من تكدس الفصول، وعدم قدرة المدرسين على توصيل المعلومات بشكل بسيط وسط هذا الحشد الذى يقبع فى أماكن غير صالحة أحيانا للاستخدام الآدمى، ولكن انتشار الدروس الخصوصية بين طلاب المدارس الدولية، ومنها الـ«أى جى» هو أمر مثير للتساؤلات فى ظل المبالغ الطائلة التى يدفعها أولياء الأمور فى هذه المدارس، من أجل أن يتلقى أبناؤهم خدمة تعليمية أفضل.
هذا الأمر كشفت عنه جولة ميدانية فى منطقتى الدقى والمهندسين المنتشر بهما هذه النوعية من المؤسسات التعليمية، وفى الغالب يكون لكل مدرسة مركز خاص بها يستقبل طلابها بعد الدراسة، ولا يبعد عنها سوى أمتار قليلة، ويتميز بوجود مُعلمين يرتبط وجودهم بالنطاق الجغرافى للمدرسة، وتختلف الأسعار حسب المادة والمدرس الخاص بها، ولكنها فى كل الأحوال تتخطى آلاف الجنيهات. فيلا مكونة من دورين بجوار إحدى المدارس الدولية تتصدرها لافتة متوسطة الحجم أعلى الباب الرئيسى مُدون عليها «المؤسسة الحديثة للثقافة والعلوم مقيدة برقم 629/2012 وزارة التأمينات والشؤون الاجتماعية الإدارة المركزية للجمعيات».. أحد العاملين بالمركز يُدعى سامح رفض فى البداية إعطاء قائمة بأسعار المواد التى يتم تدريسها فيها، مؤكدًا أن لكل مرحلة تعليمية بل ولكل مادة سعر خاص بها، فضلا عن أن الأسعار تختلف من مدرس لآخر حسب شهرة كل منهم، لكن بشكل عام، مثلا فى المرحلة الثانوية متوسط «الكورس» للمادة يصل إلى 6 آلاف جنيه.
شخص آخر يعمل فى المركز السابق ذكره، أوضح أن طلاب كل مدرسة يتوجهون لمدرسين معروفين بأعينهم يكونون دائما موجودين فى نفس القطاع الجغرافى لمدارسهم، وكذلك متعاقدين مع المراكز الموجودة فى هذه المنطقة، مضيفًا: «حالات نادرة من الطلاب تجدهم يتوجهون لمدرسين غير المعروفين فى منطقتهم». المركز التابع لوزارة التضامن الاجتماعى لم يكن الوحيد فى هذا الشارع بكل كان هناك مركز فى المبنى المقابل له، يستقبل طلابا أغلبهم من المراحل الابتدائية والإعدادية، وفقا للحارس الذى يقف أمامه الذى وصف نوعية الطلاب الذى يأتون لهذا المركز بـ«العيال الصغيرة»، وأن معظم الطلاب الأكبر سنا بشكل نسبى يتوجهون للمركز السابق ذكره. «بندفع فلوس كثير على الدروس الخصوصية بس علشان أولادنا مستواهم يتحسن» إنها كلمات «م. ع»، والد إحدى الطالبات المقيدة فى مدارس المنهج البريطانى والتى يطلق عليها «الأى جى»، مضيفا: «على الرغم من النفقات الكبيرة التى يدفعها أولياء أمور الطلاب المقيدين فى هذه المدارس والتى تصل إلى 23000 جنيه فى العام الواحد، لكن نضطر إلى إلحاق أبنائنا بهذه المراكز بهدف التغلب على بعض الصعوبات التى يجدونها فى عدد من المناهج وبالأخص مادتى «الفيزياء، والكيمياء» والتى يصل سعر «الكورس» لأكثر من 5000 جنيه، لكن نعمل إيه بنحاول نحصل على أفضل خدمة تعليمية لأولادنا؟».
وتابع ولى الأمر حديثه: «المبالغ التى يتم إنفاقها داخل هذه المراكز تُعتبر من الضروريات ولا غنى عنها حتى يستطيع الطلاب الحصول على مجموع يؤهلها لدخول الكليات التى يحلمون بها». أحد أولياء الأمور يُدعى «خ. ش» أكد أن نفقات العام الدراسى لابنته الطالبة بالصف الثالث الثانوى فى إحدى المدارس التابعة للمنهج البريطانى تبلغ 34 ألف جنيه، كمصروفات مدرسية فى العام الواحد، بخلاف ما يتم إنفاقه داخل المراكز الدروس الخصوصية والذى يختلف من مادة لأخرى والذى يصل سعر الكورس فيها إلى مبلغ 3600 جنيه للمادة الواحدة.
المراكز التعليمية الخاصة بطلاب مدارس المناهج الدولية منتشرة دائما فى الأماكن المحيطة بالمدارس الدولية، وأشهرها فى منطقتى الدقى والمهندسين، منها مراكز الدكتور نبيل إلياس والزهور وبسملة، والتى تندرج أحيانا تحت ستار الجمعيات المشهرة التابعة لوزارة التضامن الاجتماعى.
الشهرة غير مقتصرة على المراكز، لكن هناك، بحسب الطلاب، مدرسين أو ما يطلق عليهم «نجوم المراكز التعليمية» وأبرزهم فى المنطقتين السابقتين بالنسبة للمرحلة الثانوية مصطفى علام فى الفيزياء الذى يبلغ سعر الكورس عنده 5800 جنيه، فيما يصل سعره عند الدكتورة رولا فى الكيمياء لـ3800 جنيه، وبسنت فى الرياضيات «5000 جنيه»، كما أن هناك مدرسين للغة العربية يبلغ سعر الكورس لديهم «3000 جنيه». حول وسائل التعامل المادى بين الطلاب وتلك المراكز، قال يحيى طالب فى الصف الثانى الثانوى بأحد مدارس «الأى جى»: «بيوصل اللى بندفعه للمادة حوالى 5800 فى الكورس وأما المراجعات النهائية فيصل سعرها إلى 1850 جنيها»، مضيفًا: «نضطر إلى اللجوء للمراكز خصوصا لو شايفين أى صعوبة فى المادة ومش قادرين نستوعب المنهج فى المدرسة خصوصا أننا فى المرحلة الثانوية وعاوزين نجيب مجموع عشان ندخل الكلية اللى عاوزينها».
طالب آخر فى نفس المرحلة الدراسية، يُدعى «ع. م»، أكد أن المدارس لا تضمن توصيل المعلومات مثلما يعتقد البعض فى المدارس الدولية، فهناك أحيانا مناهج تحتاج إلى الدروس الخصوصية خصوصا فى مرحلة الثانوى، مضيفًا أنه لا يعتقد أنه قادر على تحقيق مجموع عال من أجل دخول كلية طب ويُصبح طبيبا مثل والده رغم كل التكاليف التى تكبدتها أسرته خلال مراحل تعليمه المختلفة. من جانبه، كشف مصدر داخل محافظة الجيزة طلب عدم ذكر اسمه أن محافظ الجيزة يستعد خلال الأيام المقبلة، لإصدار قرار إغلاق إدارى لنحو 28 مركزا تعمل فى مجال الدروس الخصوصية وذلك فى إطار جهود المحافظة لمحاربه تلك الظاهرة.
وأضاف المصدر أن دكتور خالد العادلى، محافظ الجيزة، أمر خلال الأسابيع الماضية بتشكيل لجنة بعضوية كل من بثينه كشك مدير مديرية التربيه والتعليم بالجيزة واللواء حسام رفعت سكرتير عام المحافظة.
فيما أوضح كمال الشريف، وكيل أول وزارة التضامن الاجتماعى، أن إعطاء دروس تقوية هو من ضمن الأنشطة المصرح بها فى نشاط الجمعيات التى تحصل على تراخيص من الوزارة، لكن بشرط أساسى أن تكون هذه الدروس بأسعار رمزية وأن تكون حاصلة على موافقات من وزارة التربية والتعليم مسبقًا، مضيفًا أنه فى حالة تعدى أسعار تلك الجمعيات للأسعار المحددة تُكون بذلك تحولت إلى نشاط إعطاء الدروس الخصوصية المُخالف لغرض المنشأة له أساسا.
وعن الإجراءات المتبعة مع الجمعيات المخالفة، كشف وكيل أول وزارة التضامن الاجتماعى، أن الوزارة ستقوم بدراسة ملف الجمعية المُشار إليها فى التحقيق، وتتأكد من نشاطها، وفى حالة وجود أى مخالفات سوف تتخذ معها الإجراءات الجزئية، مشيرا إلى أن انتشاء فصول التقوية مُقيد بالحصول على موافقة وزارة التربية التعليم كمرحلة أولى، وكذلك أسماء المدرسين الذين يقومون بالتدريس فيها، كما لا يجب البدء فى هذه الأمور قبل الحصول على الموافقة من التربية والتعليم. وحول العقوبات الموقعة من قبل الوزارة فى حالة اكتشاف أخطاء أشار «الشريف» إلى أن الإجراءات تبدأ بالتنبيه على الجمعية بضرورة إزالة المخالفات ثم عزل مجلس الإدارة أو إلغاء قيد هذه الجمعية من الأساس، موضحا أن كل عقوبة تحدد وفقا لحجم الأخطاء المرتكبة من قبل المسؤولين عن الجمعية ومدى مخالفتهم للقانون واللوائح المنصوص عليها.
المصدر العدد اليومى لليوم السابع