مدرس اون لايندخول

تنسيق 2020.. كليات القمة تهدد مستقبل طلاب الثانوية المتفوقين.. وأطباء نفسيون يحذرون الأباء من فرض كليات معينة على ابنائهم

 تنسيق 2020.. كليات القمة تهدد مستقبل طلاب الثانوية المتفوقين.. وأطباء نفسيون يحذرون الأباء من فرض كليات معينة على ابنائهم 101111
" كليات القمة " أحد المفاهيم التي وضعها المجتمع، وباتت في حاجة إلي  مراجعة، فبسبب رغبة الأسرة في الفخر بأبنائهم وبناتهم أصبح أمامهم مباراة يتطلب الفوز فيها الالتحاق بأي من كليات الطب أو الصيدلة أو الهندسة أو غيرها من الكليات التي تتطلب مجموعا كبيرا في الثانوية العامة ، ولذلك أصبح يشار إلي تلك الكليات بـ" كليات القمة ".

كثير من أوائل الثانوية العامة التحقوا بالكليات السابقة استجابة لرغبة الأسرة إلا أنهم عانوا عدم التكيف مع الكلية وأعباءً نفسية ظلت تلاحقهم طول الحياة عبروا عنها بقولهم: "مكنتش عايز أدخل الكلية دي بس أهلي فرضوها علي بسبب مجموعي العالي في الثانوية العامة " وكثيرون  ممن حصلوا علي مجموع منخفض في الثانوية العامة أصابهم الإحباط والاكتئاب بسبب نظرة المجتمع للكليات التي تقبل من مجموع 80% أو 70% أو 60% أو 50%، حتي أن البعض قام بالانتحار خوفًا من مواجهة الأهل والمجتمع بمجموعه المنخفض، ما جعل "بوابة الأهرام" تفتح  هذا الملف، فكم من طالب فقد شغفه وطموحه بمجرد التحاقه بكلية فرضتها عليه الأسرة، وكم من طالب فارق الحياة منتحرًا بسبب مجموعه المنخفض.

جريمة في حق الطلاب

بحسب الدكتور سامي نصار، الخبير التربوي، وعميد معهد الدرسات التربوية السابق، لا توجد كليات قمة وإنما يوجد طالب متفوق في دراسته أيًا كانت الكلية التي التحق بها عن رغبة وحب، وبالتالي أبدع فيها وتميز فأحرز نجاحات جعلته في القمة ومصدر فخر لنفسه وأسرته ومجتمعه.

ويقول الخبير التربوي، إن مجتمعاتنا العربية ترتكب جريمة عظمي في حق أجيال المستقبل عندما تربط مكانة الفرد في المجتمع بنوع الدراسة أو الكلية التي يلتحق بها، وهو ما يجعل كليات معينة تشتهر ب كليات القمة ، علي رأسها الطب والهندسة، وبالتالي عندما يلتحق الطالب بغيرها لا يشعر بالفخر.

ويتابع: "مجتمعنا المصري والعربي مجتمع أبوي وتسلطي إلي حد كبير، فالسواد الأعظم لا يعطي فرصة للأبناء للتعبير عن الرغبات والطموحات، فقد يكون هناك طالب حصل علي مجموع عال في الثانوية العامة لكنه يريد الالتحاق بكلية الفنون الجميلة علي سبيل المثال، إلا أنه سيجد عائقًا بسبب التنظيم التراكمي للعمل الذي وضعه المجتمع: "هيخليه يحس إنه بيدخل كلية ضعيفة".

ويلفت إلي أن الاقبال المجتمعي علي كليات الطب والصيدلة والهندسة ونظرة المجتمع لها هو الذي يجعلها تندرج تحت مسمي " كليات القمة "، كما يشير إلي أن المجموع العالي في الثانوية العامة ليس دليلًا علي تميز الطالب، ولا مؤشرًا علي قدراته الذهنية، طالبًا من أولياء الأمور عدم فرض كليات معينة علي الأبناء ومنحهم فرصة الاختيار وفقا لميولهم ورغباتهم وطموحهم في الحياه فالتعليم إشباع للذات، ولا يجوز أن يكون مقيدًا بسلطة حتي نضمن تفوق الأبناء وفخرنا الحقيقي بهم.


بحسب حديث أطباء الصحة النفسية لبوابة الأهرام، فإن كثيرا من أولياء الأمور يظلمون أبناءهم وبناتهم عندما يحددون لهم المصير ويضعونهم في دائرة كليات الطب والصيدلة والهندسة لمجرد أنهم حصلوا علي مجموع عال في الثانوية العامة ، وهو ما وصفه الدكتور وليد هندي استشاري الطب النفسي بـ "التربية بالوكالة".

وبحسب الطبيب النفسي، يري العديد من أولياء الأمور أن الابن هو المنوط بتحقيق أحلامهم المفقودة، فمن فشل في الالتحاق بكلية أو تمني أن يتقلد منصبا قياديا هاما قد يجد في ابنه المنجاة في تحقيق تلك الأحلام المهدرة بعد نجاح نجله في الثانوية العامة فيجبره علي الالتحاق بكلية معينة، بغض النظر عما إذا كانت قد تحقق المردود الإيجابي بابنه في المستقبل أم لا.

والأسوأ من ذلك حرص العديد من الآباء علي توريث وظائفهم وملحقاتها إلي أبنائهم، مثل الطبيب الذي يخشي من فقدان عيادته بعدما يموت، والصيدلي والمحامي وغيرهم، وبحسب الطبيب النفسي: "هذا وأد نفسي وقتل لطموح الأبناء وتدمير لكل ما هو قادم في مستقبلهم واختياراتهم وحقوقهم في الحياة" لافتًا إلي أن التحاق الأبناء بالكليات الجامعية يجب أن يكون وفقا لميول ورغبات وطموح واتجاهات كل منهم حتي نضمن لهم النجاح والتفوق ومسايرة العصر ومتطلباته.

يؤكد استشاري الصحة النفسية، أن فرض دراسة معينة علي أبنائنا في المرحلة الجامعية والإصرار علي التحاقهم ببعض الكليات الدراسية التي لا تتماشي مع إمكانياتهم الذاتية ودوافعهم ورغباتهم الحياتية، قد يعيق النمو العقلي والمعرفي ويعمق من مشكلات سوء التكيف الدراسي والشعور بالاغتراب داخل أسوار الحرم الجامعي، مما يؤدي إلي التعسر الدراسي وتكرار الرسوب أو الفشل العام في الحياة الجامعية.

أيضًا فرض دراسة معينة علي أبنائنا تخلق سلوكًا مضادا عاما للطالب متمثلا في حالة التمرد الدائم علي كل من حوله كزملاء الدراسة وأعضاء هيئة التدريس بل وأولياء الأمور أنفسهم، وهو ما يقلل من شعور الطلاب بالانتماء ويحفز لديهم الرغبة في خلق أهداف جديدة موازية يجدون فيها أنفسهم من وجهة نظرهم، وهو ما قد يعرضهم للعديد من المشكلات كالتعاطي والإدمان والزواج العرفي والانضمام إلي بعض جماعات الشر التي تجيد التقاط مثل هؤلاء.

هؤلاء يعانون أيضا عندما يمارسون العمل لافتقادهم الكفاءة في الإبداع والإنتاج، والتي تنبع من ممارسة عمل يحبونه ويناسب ميولهم وطموحهم، كما يتسمون بكثرة المشكلات مع رؤسائهم وزملائهم في العمل والذهاب الي العمل في أوقات متأخرة وتكرار الغياب وانخفاض في مستوي الطموح في الترقي، وعلي المدي البعيد مع تكرار هذه النماذج في المجتمع تتكون بها صورة ذهنية سلبية لدي الجمهور لأنهم يصبحون موظفين غير مبدعين وغير مبتسمين للحياة، فبحسب الطبيب النفسي: "التوافق الدراسي يؤدي إلي الإبداع الوظيفي والشعور بالتوافق العام مع الحياة".

وتستمر اللعنات تلاحق الآباء حتى بعد الممات من قِبَل الأبناء في كل ما هو قادم من العمر، وهو ما تؤكده تلك العبارة التالية: "مكنتش عاوز أدخل الكلية دي لكن أهلي أصروا عليها" وهي العبارة التي يتهامس بها الكثير فيما بينهم ممن لا يرضون عن مستقبلهم الحالي، والذي قضوا خلاله سنوات الدراسة الجامعية في مجال عكس رغباتهم وميولهم.

يؤكد العبارة السابقة عماد عزت، الذي درس الطب 7 سنوات، بعد أن التحق بالكلية تنفيذًا لرغبة والده الطبيب، والذي أخبره حينها: "أنت تدخل طب يا إسلام علشان تكون امتداد لي" أما والدته فقالت له: "إنت جايب 99.8% هتدخل كليات القمة طبعا".


يقول عماد، كان شعور الغربة يطاردني طوال سنوات الدراسة الـ 7 في كلية الطب، وحتي بعد تخرجي بـ 6 سنوات، وقررت أن أتصالح مع نفسي فتمردت علي ذلك الكيان الوهمي الذي وضعني فيه والدي الطبيب ودعمته في ذلك أمي لمجرد أنني حصلت علي 99.8% في الثانوية العامة ، وعملت في مجال الإعلام الذي أحبه وحاليا أنا رئيس تحرير لواحد من أشهر برامج "التوك شو".

ليس عماد فحسب، فهناك الكثير ممن فرضوا عليهم الأهل الالتحاق بكليات معينة لمجرد حصولهم عل يمجموع عال في الثانوية العامة ، وهؤلاء يعانون الشعور بالرفض ومشكلات سوء التكيف، وهو ما يترتب عليه قضاء الطلاب أغلب أوقاتهم في كافتريا الكلية بدلًا من المدرج، كما أنهم يلجأون لتغيير قبلتهم في العمل بممارسة مهنة بعيدة عن مجال دراستهم، وذلك لتحقيق ذاتهم ودوافعهم الداخلية.

"الحب يولد الإبداع".. جملة يخاطب بها الدكتور محمد هاني، استشاري الطب النفسي، أولياء أمور طلاب الثانوية العامة ، فيقول، عندما يحب الإنسان شيئًا يصبح مبدعًا فيه ويحرز نجاحات لا حصر لها، لأن الحب يولد الإبداع والإبداع يقود إلي النجاح بل والتربع علي عرش القمة.

ويعلل الدكتور محمد هاني ضغط الأهل علي أبنائهم، خاصة أوائل الثانوية العامة وإصرارهم علي التحاقهم بكلية معينة تتناسب مع مجموعهم المرتفع، فيقول، إن نظرة المجتمع هي السبب في ذلك لأن كل أسرة تريد التفاخر بالابن أو البنت أمام المجتمع، مؤكدًا أن الأبناء لن يحرزوا نجاحات إلا في الكليات التي تتوافق مع ميولهم ورغباتهم: "حط ابنك في الكلية اللي بيحبها علشان يقدر يطلع كل طاقته فيها" مؤكدًا أن دراسة مجال بالغصب سيكون عبئًا نفسيًا علي الطالب يظل يلاحقه طول الحياة.
remove_circleمواضيع مماثلة
لا يوجد حالياً أي تعليق
privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى