مدرس اون لايندخول

شرح رائع النص الأول / من تجارب الحياة أ/محمود الهادي

1- من تجارب الحياة  
زهير بن ابي سلمى
الشاعر : زُهَير بن أبي سُلمَى    - 13 ق. هـ /  609 م
زهير بن أبي سلمى ربيعة بن رباح المزني، من مُضَر. حكيم الشعراء في الجاهلية وفي أئمة الأدب من يفضّله على شعراء العرب كافة.
قال ابن الأعرابي: كان لزهير من الشعر ما لم يكن لغيره: كان أبوه شاعراً، وخاله شاعراً، وأخته سلمى شاعرة، وابناه كعب وبجير شاعرين، وأخته الخنساء شاعرة.
ولد في بلاد مُزَينة بنواحي المدينة وكان يقيم في الحاجر (من ديار نجد)، واستمر بنوه فيه بعد الإسلام.
قيل: كان ينظم القصيدة في شهر وينقحها ويهذبها في سنة فكانت قصائده تسمّى (الحوليات)، أشهر شعره معلقته التي مطلعها:
أمن أم أوفى دمنة لم تكلم .   ويقال : إن أبياته في آخرها تشبه كلام الأنبياء.
المناسبة :
كان زهير بن أبي سلمى المزني نازلاً في بني مرة من ذبيان، وقد نشبت حرب ضروس بين ذبيان وعبس عرفت بحرب داحس والغبراء اصطلى زهير بنارها هو وغيره من بني ذبيان وقد استمرت تلك الحرب عشرات من السنين، وقد مالت عبس في نهاية تلك الحرب إلى السلم ووافق ذلك رغبة من بني مرة الذبيانيين، فسعى رجلان فاضلان في الصلح بين عبس وذبيان، والرجلان هما هرم بن سنان والحارث بن عوف، فجمعا الديات التي بلغت ثلاثة آلاف بعير، فأعجب زهير بهذين الرجلين ومدحهما بقصيدة طويلة هي معلقته، وقد ختمها بهذه الحكم التي أوردناها والتي يحث معظمها على الصلح.
النص :
1.سَئِمتُ تَكاليفَ الحَياةِ وَمَــــــن يَعِش          ثَمانينَ حَولاً - لا أَبـــا لَكَ-  يَسـأَمِ
2.وَأَعلَمُ عِلــــــــمَ اليَـومِ وَالأَمسِ قَبلَهُ          وَلَكِنَّني عَن عِلمِ ما في غَدٍ عَمي
3.وَمَن يَجعَلِ المَعروفَ مِن دونِ عِرضِهِ        يَفِرهُ وَمـــــن لا يَتَّقِ الشَتمَ يُشتَمِ
4.وَمَـــن يَـــــــكُ ذا فَضلٍ فَيَبخَل بِفَضـلِهِ        عَلى قَومِهِ يُستَغـــنَ عَنهُ وَيُذمـَمِ
5.وَمَـــن هــــابَ أَسبابَ المَنِيَّةِ يَلقَـــــها         وَلَو رامَ أَسبابَ السَماءِ بِسُلــــَّمِ
6.وَمـــــــنْ يَجْعَلِ المَعْرُوفَ فِــــي غَيــْرِ        أَهْلِـهِ يَكُنْ حَمْدُهُ ذَماً عَلَيْهِ وَيَندَمِ
7.وَمَــــــن يَغتَرِب يَحسِـب عَدُوّاً صَديقَهُ         وَمَــن لا يُكَرِّم نَفسَهُ لا يُكَــــــرَّمِ
8.وَمَهمـا تَكُن عِندَ اِمرِئٍ مِـــــــن خَليقَةٍ        وَإِن خالَها تَخفى عَلى الناسِ تُعلَمِ

البيت الأول :
1. سَئِمتُ تَكاليفَ الحَياةِ وَمَــــن يَعِش       ثَمانينَ حَولاً - لا أَبـــا لَكَ-  يَسـأَمِ
اللغويات :
 سئمت : مللت × اشتقت / تكاليف : مشقات م تكليف / الحياة : ج الحيوات / حولا : عاما ج أحوال / لا أبا لك : دعاء بفقد الأب / يسأم : يمل .
الشرح :
 يظهر الشاعر ملله من الحياة بسبب مشقاتها و مشكلاتها ، فقد عاش
الشاعر ثمانين عاما و كان هذا العمر كفيل أن يجعله يسأم و يمل .
الجمال:
 سئمت تكاليف الحياة : كناية عن الضيق و الملل و كثرة مشاق الحياة .
 و من يعش ثمانين حولا يسأم : تعليل لما قبلها / أسلوب شرط للتوكيد / يسأم : نتيجة لما قبلها .
 لا أبا لا : أسلوب خبري لفظا إنشائي معنى غرضه الدعاء بفقد الأب / جملة اعتراضية : للتنبيه .
 أسلوب البيت كله : خبري للتقرير و التوكيد .
البيت الثاني :
2. وَأَعلَمُ عِلــــمَ اليَـومِ وَالأَمسِ قَبلَهُ          وَلَكِنَّني عَن عِلمِ ما في غَدٍ عَمي
اللغويات :
 أعلم : × أجهل / عمي : جاهل × عالم .
الشرح :
 يقدم الشاعر حلمة و هي : يعلم الإنسان أحداث اليوم و الأمس و لكنه يجهل ما سوف يحدث في الغد ، و هذا يوضح عجز الإنسان أمام قدرة الله تعالى في علم الغيب .
الجمال:
 وَأَعلَمُ عِلــــمَ اليَـومِ وَالأَمسِ قَبلَهُ : أسلوب خبري للتقرير و التوكيد / ( اليوم – الأمس ) : طباق يوضح المعنى /  ( أعلم – علم ) : جناس ناقص .
 وَلَكِنَّني عَن عِلمِ ما في غَدٍ عَمي :كناية عن جهل و عجز الإنسان عن معرفة الغيب / لكنني : استدراك لمنع الوقوع في الفهم الخاطيء / ما : موصولة للشمول و العموم / ( علم – عمي ) : طباق يوضح المعنى .
 بين شطري البيت مقابلة توضح المعنى .
البيت الثالث :
3. وَمَن يَجعَلِ المَعروفَ مِن دونِ عِرضِهِ        يَفِرهُ وَمـن لا يَتَّقِ الشَتمَ يُشتَمِ
اللغويات :
يجعل : يضع و يفعل / المعروف : الخير × المنكر / عرضه : شرفه ج أعراض / يفره : يحميه و يحفظه / يتق : يتجنب × يواجه / الشتم : السب × المدح .
الشرح :
 يقدم الشاعر حكمة و هي : من يعمل المعروف مع الناس يحمي نفسه و عرضه من الذم ، و من لا يفعل ذلك يعاب إليه و يذم .
الجمال :
 وَمَن يَجعَلِ المَعروفَ مِن دونِ عِرضِهِ يَفِرهُ: أسلوب شرط للتقرير و التوكيد / يفره : نتيجة لما قبلها / المعروف : معرفة للشمول و العموم .
 وَمـن لا يَتَّقِ الشَتمَ يُشتَمِ : أسلوب شرط للتقرير و التوكيد / استعارة مكنية يصور الشتم بإنسان يتقيه الناس / يشتم : نتيجة لما قبلها / ( الشتم – يشتم ) : جناس ناقص .
 بين شطري البيت : مقابلة توضح المعنى .
البيت الرابع :
4. وَمَـــن يَــــكُ ذا فَضلٍ فَيَبخَل بِفَضـلِهِ       عَلى قَومِهِ يُستَغـــنَ عَنهُ وَيُذمـَمِ
اللغويات :
 يك : يكن / ذا : صاحب ج ذوو / فضل : خير و زيادة × نقصان ج أفضال / يبخل × يجود / يستغن : يتخلى عنه / يذمم : يعاب إليه × يمدح .
الشرح :
 يبين الشاعر نتيجة البخل و المنع مع الناس و يحذر من ذلك لأنه يؤدي إلى القطيعة و الذم من الآخرين .
الجمال :
 وَمَـــن يَــــكُ ذا فَضلٍ فَيَبخَل بِفَضـلِهِ       عَلى قَومِهِ يُستَغـــنَ عَنهُ وَيُذمـَمِ
* أسلوب شرط للتوكيد .
* يك : إيجاز بحذف النون و أصلها ( يكن ) . الإيجاز للتخفيف .
* يبخل بفضله : كناية عن سوء الطبع .
* قومه : الإضافة تفيد التخصيص و التوكيد .
* يستغن عنه و يذمم : نتيجة لما قبلها / مضارع للتجدد و الاستمرار .
البيت الخامس :
5. وَمَـــن هــابَ أَسبابَ المَنِيَّةِ يَلقَـــــها         وَلَو رامَ أَسبابَ السَماءِ بِسُلـــَّمِ
اللغويات :
 هاب : خاف × أمن / أسباب : عوامل / المنية : الموت ج المنايا / يلقها : يمت / رام : قصد / سلم : وسيلة للصعود و الهبوط ج سلالم و سلاليم
الشرح :
 يقرر الشاعر حقيقة و هي : أن الموت لا مفر منه بأي وسيلة حتى لو صعد إلى السماء بسلم هروبا من الموت .
الجمال :
 وَمَـــن هــابَ أَسبابَ المَنِيَّةِ يَلقَـــــها         وَلَو رامَ أَسبابَ السَماءِ بِسُلـــَّمِ
* أسلوب شرط للتقرير و التوكيد و لبيان أن الجزاء من جنس العمل.
* استعارة مكنية : يصور أسباب المنية بوحش يهابه الإنسان .
* يلقها : نتيجة لما قبلها .
* لو رام أسباب السماء بسلم : كناية عن الاستحالة الحدوث / استعارة مكنية يصور السماء ببيت مرتفع نصعدإليه بسلم / سلم : استعارة تصريحية يصور الوسائل بالسلم .
* البيت يتضمن معنى الآية الكريمة
(أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ } الآية النساء78
البيت السادس :
6. وَمــــنْ يَجْعَلِ المَعْرُوفَ فِــــي غَيــْرِ        أَهْلِـهِ يَكُنْ حَمْدُهُ ذَماً عَلَيْهِ وَيَندَمِ
اللغويات :
 المعروف : كل عمل خير × المنكر / حمده : شكره × جحود / ذما : هجاء
و لوم × مدح / يندم : يتحسر × يفرح .
الشرح :
 ينصح الشاعر بأن نجعل المعروف و الخير فيمن يستحق ، حتى لا يكون في غير أهله .
الجمال:
 البيت أسلوب شرط لبيان أن الجزاء من جنس العمل .
 المعروف : معرفة للتعظيم و الشمول و العموم .
 في غير أهله : كناية عن سوء التصرف .
 يكن حمده ذما عليه و يندم : نتيجة لما قبلها / تشبيه بليغ يشبه الحمد مع من لا يستحق بالذم و الندم / كناية عن سوء العاقبة .

البيت السابع :
7. وَمَــــن يَغتَرِب يَحسِـب عَدُوّاً صَديقَهُ         وَمَــن لا يُكَرِّم نَفسَهُ لا يُكَــــرَّمِ

اللغويات :
 يغترب : يفارق × يلازم و يقيم / عدوا : ج أعداء و أعادي / يكرم : يصون و يحفظ × يهين .
الشرح :
 يقدم الشاعر حكمة جديد و هي : من يفارق أهله و وطنه يظن في غربته العدو صديقا له ، كما أن الذي لا يحسن إلى نفسه بالخير لا يكرمه أحد قط .
الجمال :
 البيت أسلوب شرط لبيان أن الجزاء من جنس العمل .
 الأفعال المضارع : للتجدد و الاستمرار .
 يحسب : توحي بالشك و الخطأ في الفهم / نتيجة لما قبلها .
 ( عدوا صديقه ) : تشبيه بليغ يشبه العدو بالصديق / بينهما طباق .
 يَحسِـب عَدُوّاً صَديقَهُ : كناية عن سوء الفهم و قلة الخبرة في الحياة .
 لا يكرم نفسه : استعارة مكنية يصور النفس بإنسان يمنع الكرم / كناية عن عدم التقدير و الغجلال للنفس .
 لا يكرم : نتيجة لما قبلها .
 
البيت الثامن :
8. وَمَهمـا تَكُن عِندَ اِمرِئٍ مِـن خَليقَةٍ        وَإِن خالَها تَخفى عَلى الناسِ تُعلَمِ
اللغويات :
 امرئ : إنسان ج رجال / خليقة : صفة و خلق ج خلائق / خالها : ظنها × تيقن / تعلم : تظهر و تعرف × تجهل .
الشرح :
 يؤكد الشاعر أن الطبع يغلب التطبع في الأخلاق و الصفات ، فالطباع تظهر و لا تخفي على الناس مهما حاول صاحبها إخفائها عنهم .

الجمال:
 البيت أسلوب شرط لبيان أن الجزاء من جنس العمل .
 امرئ – خليقة : نكرة للشمول و العموم .
 إن خالها تخفى على الناس : جملة اعتراضية للشك / استعارة مكنية يصور الخليقة بشيء مادي يخفى .
 ( تخفى – تعلم ) : طباق يوضح المعنى .
 تعلم : نتيجة لما قبلها .

التعليق
 من الخصائص الأسلوبية التي تتوافر في النص:
أ- صدق العاطفة                                           ب- متانة التراكيب  
ج  - وضوح الأفكار والمعاني                           د - كثرة الحكم
 يرى بعض النقاد أن القصيدة الجاهلية تفتقر إلى الوحدة الموضوعية
لتعدد أغراضها وموضوعاتها ، ويرى آخرون عكس ذلك . أناقش هذه القضية على ضوء النص.
ج ) تعد القصيدة العربية الجاهلية بتقاليدها الفنية الموروثة الصورة الفنية المكتملة التي أخذت على أيدي الشعراء الجاهلين شكلها التقليدي الثابت واكتملت لها مقوماتها وعناصرها الفنية حيث تبدأ عادة بالوقوف على الأطلال والتغزل بالمحبوبة ويخرج منها الشاعر إلى وصف الرحلة ،ثم ينتقل لغرضه الرئيس المدح ويختمها الشاعر بأبيات من الحكمة ، ومع تعدد الموضوعات إلا أن هناك خيط رفيع يشدها من أولها إلى أخرها في وحدة موضوعية تلتئم بها أجزاؤها لتمثل صورة متكاملة متناغمة لعناصر مختلفة.

 إنّ زهيراً صاحب "أمدح بيت... وأصدق بيت... وأبين بيت".
فالأمدح قوله:
تراهُ إذا ما جئْتَه مُتَهَلِّلا             كأنَّك تُعطيه الذي أنتَ سائلُهْ
والأصدق قوله:
ومهما تكنْ عند امرئٍ من خليقةٍ      وإنْ خَالَها تَخْفي على الناس تُعْلَمِ
وأما ما هو أبين فقوله يرسم حدود الحق:
فإنّ الحقّ مقطعُه ثلاثٌ     يمينٌ أو نفارُ أو جلاءُ
remove_circleمواضيع مماثلة
avatar
مشكوررررررررر وجزاك الله خيرا
avatar
رائع رائع رائع بارك الله فيك وجعله في ميزانك يوم الدين .
avatar
Mr.Riad
اللهم اجعله في ميزان حسناتكم
privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى