عوامل نجاح التربية الإسلاميةفي تربية الصحابة
د. سليم عبده قائد القباطي
أستاذ مساعد . كلية التربية
ملخص البحث
استهدف البحث التعرف على عوامل نجاح التربية الإسلامية في تربية الصحابة .
وقد حدد الباحث مشكلة البحث في السؤال الرئيس الآتي :
ما العوامل التي وقفت خلف نجاح التربية الإسلامية في تربية الصحابة ؟
ويتفرع عن هذا السؤال الرئيس الأسئلة الفرعية الآتية :
س1: ما طبيعة منهج القرآن الكريم ومنهج الرسول صلى الله عليه وسلم في التربية ؟
س2: ما طبيعة تعامل الصحابة مع منهج القرآن الكريم ومنهج الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في التربية ؟
س3: ما المصادر التي اعتمدت عليها التربية الإسلامية في تربية الصحابة ؟
وحتى يحقق البحث أهدافه وتعالج مشكلة البحث بطريقة موضوعية أستخدم الباحث المنهج التاريخي لمعرفة العوامل التي وقفت خلف نجاح التربية الإسلامية في تربية جيل الصحابة .
أما مصادر البحث ، فقد اعتمد الباحث في جمع المادة العلمية على المراجع المتعلقة بالتربية الإسلامية والمصادر العلمية التي لها علاقة بالبحث وتطلب البحث الرجوع إليها .
أما محتويات البحث فقد جاءت عبارة عن إجابة مفصلة للسؤال الرئيس والأسئلة الفرعية التي تم تحديد مشكلة البحث من خلالها .
وقد توصل البحث إلى أن عوامل نجاح التربية الإسلامية في تربية الصحابة ترجع إلى عوامل بعضها يعود إلى محتوى خطاب القرآن الكريم ومنهجه في التربية وطريقة معالجته لنفوس الصحابة ، وبعضها يعود إلى المعلم ومنهجه في التربية الذي قام بتوصيل هذا الخطاب إلى الصحابة والمتمثل في الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، والبعض الآخر يرجع إلى تعامل الصحابة الإيجابي مع منهج القرآن الكريم ومنهج الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في التربية واقتصار مصادر تربيتهم على القرآن الكريم والسنة المطهرة بعيداً عن أي مؤثر آخر .
وفي ختام البحث حاول الباحث التقدم بعدد من التوصيات في ضوء النتائج التي توصل إليها البحث .
الإطار العام للبحث :
المقدمة :
استطاعت التربية الإسلامية في عهدها الأول وفي فترة زمنية قصيرة وبإمكانات مادية متواضعة أن تصنع من الصحابة خير أمة أخرجت للناس ، ولاشك أن نجاح التربية الإسلامية في تربية الصحابة لم يأت من فراغ وإنما وقف خلفه عوامل متعددة، ومن هنا كان اهتمام الباحث بدراسة العوامل التي وقفت خلف نجاح التربية الإسلامية في تربية الصحابة.
مشكلة البحث :
المدقق في تاريخ الأمة الإسلامية يلحظ ظاهرة تاريخية ذات أهمية أفرزت جيلاً فريداً ، إنه جيل الصحابة الذي لم يعرف التاريخ أن تكرر في صورة جيل وأن كان قد شهد التاريخ أفراداً بين فترة وأخرى ( 1 [1] ).
وهذه الظاهرة تتطلب أن يقف أمامها الباحثون في مجال التربية للتعرف على العوامل التي كانت خلف نجاح التربية الإسلامية في تربية الصحابة .
تحديد مشكلة البحث :
يمكن تحديد مشكلة البحث في السؤال الرئيس الآتي :
ما العوامل التي وقفت خلف نجاح التربية الإسلامية في تربية الصحابة؟
ويتفرع عن هذا السؤال الرئيس الأسئلة الفرعية الآتية :
س1: ما طبيعة منهج القرآن الكريم ومنهج الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في التربية ؟
س2: ما طبيعة تعامل الصحابة مع منهج القرآن الكريم ومنهج الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في التربية ؟
س3: ما المصادر التي اعتمدت عليها التربية الإسلامية في تربية الصحابة ؟
أهداف البحث :
يهدف البحث إلى تحقيق الأهداف الآتية :
1)التعرف على العوامل التي أدت إلى نجاح التربية الإسلامية في تربية الصحابة .
2)الوقوف على المصادر التي اعتمدت عليها التربية الإسلامية في تربية الصحابة .
3)تقديم توصيات يأمل الباحث الاستفادة منها في مجال التربية الإسلامية .
منهج البحث :
اقتضت طبيعة البحث استخدام المنهج التاريخي حيث تم استخدام خطواته في كتابة البحث وجمع المادة العلمية وتحليلها.
مصادر البحث :
تم الاعتماد على المراجع المتعلقة بالتربية الإسلامية والمصادر العلمية التي لها علاقة بالبحث وتطلب البحث الرجوع إليها .
الدراسات السابقة
قام الباحث قبل كتابة هذا البحث بالإطلاع على الدراسات السابقة في مجال التربية الإسلامية وقد كان من بين الدراسات التي تم الإطلاع عليها الآتي :
أولاً: التربية الإسلامية والتغير الاجتماعي( [2] )
تناولت الدراسة مفهوم التغير الاجتماعي بوجه عام ونظرة الإسلام لهذا التغير ومنهج التربية الإسلامية في إحداث التغير ، كما تناولت الدراسة الطبيعة الإنسانية لإمكانية تهذيبها بالتربية .
واستهدفت الدراسة بيان منهجية التربية الإسلامية في التغير الاجتماعي وتوضيح نظرة الإسلام إلى التغير كسنة اجتماعية والقوانين التي تحكم ذلك ، وكذلك توضيح عدم فهم مشكلة التغير وسنته وقوانينه هو سبب التخلف الذي تعاني منه الأمة الإسلامية، كما استهدفت أيضاً جذب الانتباه إلى الدور المسند إلى البشر في تغيير ما بالأنفس وميادين هذا التغير ومؤسساته وكيفية حدوث ذلك ، بالإضافة إلى بيان أهمية فهم الإنسان دوره في تغيير الطبيعة الإنسانية وتوجيهها وغرس القيم والأفكار والمفاهيم لتغيير ما بالأنفس كمقدمة لتغيير المجتمع .
وختم الباحث بحثه بعدد من الاستنتاجات كان من أهمها الآتي :
1) التغير عملية اجتماعية متعددة الجوانب ، وبداية التغير في نظر الإسلام تغيير ما بالأنفس ليتغير المجتمع ، ووسيلته في ذلك التربية الإسلامية لتناولها لجميع جوانب الإنسان .
2) أن التربية الإسلامية بما تملكه من سمات خاصة تجعلها قادرة على تغيير ما بالأنفس وتعديل السلوك وغرس القيم والأفكار والمفاهيم ، وتهذيب الطبيعة الإنسانية وجعل الإنسان يعي سنن التغيير وقوانينه ومتطلباته وتعريف البشر بدورهم في إحداث التغير وبمسؤولياتهم وقدراتهم .
3) إن التغير يخضع لقوانين وسنن وبدون أن يعي الإنسان ذلك وبدون إدراك العلاقة بين تغيير ما بالأنفس وتغيير المجتمع ، تصبح كل الجهود مبعثرة وتكون العملية كمن يحرث في البحر.
4) مشكلة التغيير تكمن في الإنسان وما بنفسه فتغيير المجتمعات ليس خاضعاً للصدفة وإنما يخضع لقوانين والمشكلة مشكلة التفكير وما يعترضه من الجمود والركود وما يصحب ذلك من جمود في التنظيم والتخطيط.
الفرق بين هذه الدراسة والبحث الحالي :
تختلف هذه الدراسة عن البحث الحالي فقد تناولت مفهوم التغير الاجتماعي بوجه عام ونظرة الإسلام لهذا التغير ، ومنهج التربية الإسلامية في إحداث التغير، كما تناولت الطبيعة الإنسانية لإمكانية تهذيبها بالتربية ، بينما البحث الحالي يدور حول عوامل نجاح التربية الإسلامية في تربية الصحابة ، ورغم هذا الاختلاف إلا إن هذه الدراسة تتفق مع البحث الحالي في تناولها لمنهج التربية الإسلامية في إحداث التغير .
ثانياً: التربية الإسلامية والتنمية( [3] )
تناولت الدراسة موقف التربية الإسلامية من التنمية وركائز التنمية الإسلامية ومضامينها التربوية .
وقد توصلت الدراسة إلى العديد من الاستنتاجات والتي كان من بينها الآتي:
1) أن حاجة البلاد العربية والإسلامية للتنمية ماسة لابد لها من نموذج تنمية إسلامية يلبي حاجاتها ويحقق طموحاتها ويلائم طبيعتها وتكوينها ويستطيع استثارة همم الناس لتتجمع حوله فيستطيع تحقيق أهدافها .
2) أن التربية ما زالت هي الحل الأمثل لمساعدة هذه المجتمعات على تجاوز واقعها الراهن، ولكن التربية المطلوبة هي التربية الإسلامية التي يجب أن تصحب نموذج التنمية الإسلامية باعتبارها نظاماً متكاملاً له أهدافه وطرقه ووسائله، مستمد من القرآن الكريم والسنة المطهرة ثم الصحيح من اجتهاد المفكرين عبر العصور الإسلامية بما فيها اجتهاد المفكرين المعاصرين.
3) أن العلاقة قوية بين التنمية الإسلامية والتربية الإسلامية تتجلى في استجابة التربية الإسلامية لجهود التنمية في تنمية إنسان متكامل ملائم لجهود التنمية، وتوفير المناخ الفردي والاجتماعي والاقتصادي الملائم لهذه الجهود، كما أن التنمية تلبي احتياجات التربية وتوفر المناخ الملائم لممارسة وظيفتها .
الفرق بين هذه الدراسة والبحث الحالي :
تختلف هذه الدراسة عن البحث الحالي فقد تناولت موقف التربية الإسلامية من التنمية وركائز التنمية الإسلامية ومضامينها التربوية ، بينما البحث الحالي يتناول عوامل نجاح التربية الإسلامية في تربية الصحابة ، ورغم هذا الاختلاف إلا إن هذه الدراسة تتفق مع البحث الحالي في تناولها لمجال التربية الإسلامية .
ثالثاً: التربية الإسلامية بين الأصالة والمعاصرة( [4] )
يدور موضوع الدراسة حول أهمية التربية الإسلامية للفرد والمجتمع وأهدافها وسماتها التي تميزها عن سائر فلسفات التربية الأخرى ، والتحديات التي تواجه السعي لتطبيقها وتحد من نشاطها .
وقد استهدفت الدراسة المساهمة في إعداد الجيل المسلم الواعي المستنير ومساعدة المربي المسلم في تحديد معالم التربية الإسلامية وسماتها المميزة وتحديات العصر لها .
وتوصلت الدراسة إلى أن التربية الإسلامية تواجه تحديات بعضها داخلية تتمثل في جمود الإنتاج الفكري الإسلامي بل ومحاربة أي محاولة لهذا الإنتاج وبعضها خارجية تتمثل في الغزو الحضاري الذي تتعرض له الحضارة الإسلامية من الحضارة الغربية الذي يعد امتداداً للحروب الصليبية.
الفرق بين هذه الدراسة والبحث الحالي :
تختلف هذه الدراسة عن البحث الحالي في كونها تتناول أْهمية التربية الإسلامية للفرد والمجتمع وأهدافها وسماتها التي تميزها عن سائر فلسفات التربية الأخرى والتحديات التي تواجه السعي لتطبيقها وتحد من نشاطها ، بينما البحث الحالي يتناول عوامل نجاح التربية الإسلامية في تربية الصحابة ، ومع ذلك تتفق هذه الدراسة مع البحث الحالي في تناولها لمجال التربية الإسلامية .
عوامل نجاح التربية الإسلامية في تربية الصحابة :
لعبت عوامل كثيرة في تربية الصحابة بعضها يعود إلى محتوى خطاب القرآن الكريم ومنهجه وطريقة معالجته لنفوس الصحابة، وبعضها يعود إلى منهج الرسول صلى الله عليه وسلم في التربية، والبعض الأخر يرجع إلى الصحابة أنفسهم، واقتصار مصادر تربيتهم على القرآن الكريم والسنة المطهرة بعيداً عن أي مؤثر آخر.
وحتى لا يطول بنا الحديث في سرد هذه العوامل فإننا سوف نتطرق إليها باختصار وذلك على النحو التالي :
أولاً: منهج القرآن الكريم في التربية
تميز القرآن الكريم بمنهج فريد في التربية أتى أكله على خير ما يرام وظهر ذلك جلياً في جيل الصحابة الكرام خير أمة أخرجت للناس .
ومن سمات عظمة منهج القرآن الكريم في التغيير والتربية أنه كان يختار الزمان والمكان والحدث والبيئة المناسبة لإحداث التغيير بالإضافة إلى ظروف وأحوال الفرد والجماعة محل التغيير والتربية ، ففي العهد المكي بظروفه وملابساته اتبع القرآن الكريم منهجاً معيناً للتغيير يتناسب مع ذلك العهد وفي العهد المدني كان للقرآن الكريم منهج يتناسب مع ذلك العهد (5 [5] ) وذلك على النحو الآتي:
أ- العهد المكي :
قامت عملية التغيير والتربية التي تبناها منهج القرآن الكريم في العهد المكي وفق خطوات محكمة ومتدرجة وذلك على النحو التالي :
1- طرق الحس طرقات متتالية عنيفة قوية كان الهدف منها إيقاظ الحس البشري في ذلك الحين الموجه إليه خطاب التغيير القرآني ذلك الحس الذي طال سباته وأطبقت عليه الغفلة وغرق في أوحال الجاهلية وقد كانت الطرقات والصيحات والهزات العنيفة التي حملها الخطاب القرآني إلى مسامع المخاطبين في بداية عهده تتركز جميعها حول النظر والتفكر والتدبر المتعلقة بأمور العقيدة من توحيد الرب الخالق وإثبات الوحي ولفت الأنظار إلى النشأة الأولى للإنسان والأحياء الأخرى في الأرض من نبات وحيوان وإلى مشاهدة هذا الكون وآياته في كتابه المفتوح ومشاهد القيامة العنيفة الطامة والصاخة والقارعة والغاشية ومشاهد الحساب والجزاء صور تقرع وتذهل وتزلزل كمشاهد القيامة الكونية في ضخامتها وهولها واتخاذها جميعاً دلائل على الخلق والتدبير والنشأة الأخرى وموازينها الحاسمة مع التقريع بها والتخويف والتحذير وأحياناً تصاحبها صور من مصارع الغابرين المكذبين . (6 [6] )
2- كان منهج القرآن الكريم في العهد المكي يتركز حول تعريف الناس بالله واليوم الأخر وبقصص الأنبياء والمكذبين من قبل وبقصة آدم مع إبليس وبأخلاقيات لا إله إلا الله التي يريد الله سبحانه وتعالى أن تحل محل أخلاق الجاهلية وكلها دروس في العقيدة.(7 [7] )
وإلى جانب التنديد بالشرك في العهد المكي ندد القرآن الكريم بأخلاق الجاهلية المنتكسة ومفاهيمها الجاهلية الهابطة ويضع في المقابل الأخلاق الإيمانية التي ينبغي أن يكون عليها الإنسان السوي وهي متصلة بالعقيدة في الوقت نفسه لأن العقيدة الإسلامية ليست نظرية أو لاهوتاً يدرس إنما هي واقع سلوكي معين لابد أن يرى أثره في واقع الناس ومن ثم كانت لها أخلاقيات متصلة بها ومنبثقة عنها تشمل الحياة كلها وتضع لها منهجاً مفصلاً (8 [8] ).
وهذا يتسق مع منهج القرآن الكريم في التربية الذي ربط كل تصرفات الإنسان وشئون حياته بالعقيدة لأنه لا يمكن أن يستقيم ذلك إلا بوجود العقيدة الحية الإيجابية المتمكنة من الوجدان والضمير التي تجعل سلوك الإنسان سوياً على الدوام دون انحراف أو زيغ .
3- لمس القلوب واستجاش وجدانها إلى حقيقة الألوهية وهذه الحقيقة هي البوابة الرئيسة لعقيدة الفطرة التي أودعها الله في الفطرة لتنبهها إلى خالقها وتتوجه لله بالعبادة.(9 [9] )
لذلك كان القرآن أول ما يباشر اتصاله بالإنسان يبدأ بفطرته فيوقضها ويذكرها بما هو مغروس في أعماقها ليجد أنها معترفة بوجود الخالق العظيم فهي في ذلك لا تحتاج إلى دليل، والقرآن الكريم حين يوجه نداءه للفطرة لتفيق وتعتدل في الطريق فأول جانب يلفت نظرها إليه ويطلب منها فعله هو جانب العقيدة فيأخذ بيدها إلى مظهر الملك يتعمق بها في أسرار الملكوت ويسألها مع كل لمسة وهمسة ومع كل لفتة وإشارة من مربي هذا ؟ فلا تملك إلا أن تقول الله . (10 [10] )
لقد كان القرآن الكريم يخاطب فطرة ( الإنسان ) بما في وجوده هو وبما في الوجود حوله من دلائل وإيحاءات ، كان يستنقذ فطرته من الركام ، ويخلص أجهزة الاستقبال الفطرية مما ران عليها وعطل وظائفها ، ويفتح منافذ الفطرة لتتلقى الموحيات المؤثرة وتستجيب لها .(11 [11] ) هذا بصفة عامة ، وبصفة خاصة كان القرآن الكريم يخوض بالعقيدة معركة حية واقعية .. ومن ثم لم يكن شكل (النظرية) هو الشكل الذي يناسب هذا الواقع الخاص ، إنما شكل المواجهة الحية للحواجز والمعوقات النفسية وغيرها وكان القرآن الكريم يواجه واقعاً بشرياً بكل ملابساته الحية ويخاطب البشرية بجملتها في خظم هذا الواقع . (12 [12] )
وكان القرآن الكريم وهو يبني العقيدة في ضمائر الجماعة المسلمة يخوض بهذه الجماعة معركة ضخمة مع الجاهلية من حولها ومن هذه الملابسات ظهر بناء العقيدة في تجمع عضوي حيوي وتكوين تنظيمي مباشر للحياة ممثل في الجماعة المسلمة نفسها، وكان نمو الجماعة المسلمة في تصورها الاعتقادي وفي سلوكها الواقعي وفق هذا التصور(13 [13] ).
4 - هدم العقائد الفاسدة في القلوب وفي مقدمتها الشرك ، وأقام على أثرها بنيان العقيدة الصحيحة الصافية النقية ، بأسلوب مقنع سلس يفهمه العامة والخاصة ويفهمه الناس على مختلف مستوياتهم ، ( [14] 14) قائماً على الإقناع العقلي مرتبطاً بإثارة الوجدان والعواطف والانفعالات الإنسانية ، أنه طرق العقل والقلب معاً حيث بدأ أي القرآن الكريم من المحسوس المشهود المسلم به كالمطر ، والرياح ، والنبات ، والرعد ، والبرق ، والشمس ، والقمر ... ثم ينتقل إلى إثبات وجود الله وعظمة قدرته وصفات الكمال ، مع استخدام أسلوب الاستفهام أحياناً إما للتقريع وإما للتنبيه ، وإما للتعجب ، والتذكير بالجميل ونحو ذلك مما يثير في النفس الانفعالات الربانية : كالخضوع والشكر ومحبة الله ثم تأتي العبادات والسلوك الرفيع تطبيقاً عملياً للأخلاق الربانية (15 [15] ).
5- التدرج في التربية حيث نزل القرآن منجماً حسب ما تقتضيه الأحداث، الأمر الذي كان يترك أثراً كبيراً في تربية نفس الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه تمثل في تثبيت الفؤاد وترسيخ الإيمان (16 [16] )، قال تعالى (وقالوا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا) الفرقان آية 32 .
6- ومن أساليب القرآن الكريم في التربية والتغيير اعتماده على العبرة والموعظة الحسنة، ولهذا اشتمل القرآن الكريم على الكثير من قصص الأنبياء والرسل مع أقوامهم والعقوبات التي حلت بالأقوام التي كذبت الرسل، كما اهتم القرآن الكريم بضرب الأمثال على مستوى الأفراد مثل قارون الذي كفر بالنعمة فحل عليه غضب الله وعذابه وقد أشار الله إلى ذلك بقوله (فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين * وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن مّن الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون ) سورة القصص 81-82، وأصحاب الجنة الذين حرموا من النعمة نتيجة الشح وعدم الإنفاق في سبيل الله قال تعالى (إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون فأصبحت كالصريم....) سورة ن 17،18،19،20 .
ولقد ركز القرآن الكريم على الموعظة الحسنة كمنهج من مناهج التربية والتغيير التي اتبعها القرآن الكريم لما لها من إيقاع في القلب وتأثير على السلوك ، لذلك أمر الله سبحانه الرسول عليه وآله وصحبه أفضل الصلاة وأزكى التسليم بأن ينتهج سبيل الوعظ الحسن المرغب غير المنفر فقال تعالى (أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) سورة (النحل) آية 125 وذلك لأن الموعظة الحسنة تزكية للنفس وتطهير لها وبتحققها يسمو المجتمع ويبتعد عن المنكرات وعن الفواحش(17 [17] ).
7- وكان من منهج القرآن في التربية والاستمرار في إحداث التغيير تعميق الصبر في نفوس الصحابة وتحمل المشاق بضرب الأمثال مرغباً في الخير وثوابه ومنفرا" من الشر وعقابه بصورة فريدة كان لها إيقاعها في نفوس الصحابة ، فقد استطاع المنهج القرآني إحياء إنسانية الإنسان وربطه بخالقه وبين علاقته بأخيه الإنسان وكون نظرته إلى الكون والحياة الدنيا وما بعد الحياة الدنيا من خلال العقيدة التي أرسى القرآن الكريم دعائم التربية عليها فاستقرت في القلوب فحولتها وفتحت بصائرها على الكون بما فيه ومن فيه فشعر الإنسان بإنسانيته وأحس أنه جزء من هذا الوجود ذو الرب الواحد والمعبود الواحد(18 [18] ).
8- اعتماد المنهج القرآني في التربية على الحجة الدامغة والاستنتاج والملاحظة والاستقراء(19 [19] ).
9- ظل القرآن المكي ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة عشر عاماً كاملة يحدثه فيها عن قضية واحدة لا تتغير ولكن طريقة عرضها لا تكاد تتكرر... لقد كان يعالج القضية الأولى والكبرى والأساسية في هذا الدين الجديد... قضية العقيدة ممثلة في قاعدتها الرئيسة... الألوهية والعبودية ، وما بينهما من علاقة... ولم يتجاوز القرآن المكي هذه القضية الأساسية إلى شيء مما يقوم عليها من التشريعات المتعلقة بنظام الحياة إلا بعد أن علم الله أنها قد استوفت ما تستحقه من البيان وأنها استقرت استقراراً مكيناً ثابتاً في قلوب العصبة المختارة من بني الإنسان (20 [20] ).
ب- العهد المدني :
المنهج القرآني في التغيير والتربية قائم على العقيدة حتى بعد رسوخها في أذهان أتباعها لم ينقطع الحديث عن العقيدة بانتهاء الفترة المكية بل استمر حتى بعد تكون الدولة المسلمة في المدينة المنورة .(21 [21] ) والفرق الوحيد بين منهج القرآن الكريم في التربية في العهدين المكي والمدني يتمثل في إضافة خطاب آخر إلى خطاب العقيدة ، ففي العهد الملكي كان الخطاب واحداً للمخاطبين بالقرآن الكريم تمثل في العقيدة ، أما في العهد المدني فقد أضيف إليه خطاب آخر تمثل في التشريعات والتوجيهات والتوعية السياسية وإعداد العدة للجهاد ، وبعد أن كان الخطاب القرآني في العهد المكي يلقن من أجل بناء الأساس صارفي العهد المدني يلقن من أجل تشييد البناء بعد أن ترسخت قواعده في العهد المكي . إلا أن استمرار تلقين الخطاب القرآني للمؤمنين بعد أن آمنوا أمر ذو دلاله مهمة لأن معناه أن هذا الخطاب درس لا ينتهي ولا ينقطع أبداً مهما كانت حالة المؤمن من الإيمان فلا بد من التذكير الدائم حتى للمؤمنين(22 [22] ).
والتأكيد على العقيدة حتى بعد رسوخها تعد إشارة واضحة إلى أن الشريعة بما تحمله من تكاليف وتوجيهات لا يمكن فصلها عن العقيدة كما أنها لا يمكن أن تلقى طريقها إلى التطبيق بصورة إيجابية بدون العقيدة .
وبارتباط العقيدة والشريعة نتج عنها المعرفة الإيجابية بالله سبحانه وتعالى التي افتقدتها البشرية في جاهليتها قبل الإسلام كما تفتقدها اليوم في كثير من جوانب حياتها المختلفة .
والعقيدة في بداية عهدها في العهد المكي كانت تهيئ الفرد على تحمل الأذى أما في عهد تأسيس الدولة وتشييد البناء فإن العقيدة ربت الفرد على تحمل المخاطر المتمثلة في الجهاد .
والجهاد يتطلب قيادة ولذلك جاءت التوجيهات لاحترام أولي الأمر وطاعتهم في غير معصية لله سبحانه وتعالى والعودة إليهم في كل مشكلة حتى لا تنتشر الفوضى في التصرفات الفردية الغير منضبطة .(23 [23] )
وفي العهد المدني عهد بناء المجتمع والدولة والحفاظ عليها بالجهاد تم وضع أسس للجوانب الأخلاقية بينت علاقة المجتمع بعضه ببعض وأسس للجوانب السياسية التي بينت علاقة الدولة والمجتمع المسلم باليهود والنصارى والمنافقين. بالإضافة إلى العديد من التوجيهات التي شملت جميع جوانب الحياة المختلفة التي كانت تنمو بسرعة في المجتمع الإسلامي الناشئ(24 [24] ).
ثانياً: منهج الرسول e في التربية والتغيير
لقد كان وضع البشرية يوم بعث النبي محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم وضعاً يبعث على الحسرة ، فبناء البشرية أصيب بزلزال مروع - كما يصف ذلك الندوي(25 [25] ) - نتج عنه خلل شديد فإذا بكل شيء فيه في غير محله فقد رأى مجتمعاً هو الصورة المصغرة للعالم كل شيء فيه في غير محله أصبح الذئب راعياً والخصم قاضياً وأصبح المجرم سعيداً الحظ والصالح محروماً شقياً رأى الرذيلة والأخلاق الدنيئة هي السائدة والفضيلة والأخلاق النبيلة مستغربة ومنبوذة رأى ملوكاً ظالمة ورعية مستعبدة ورهباناً وأحباراً أصبحوا أرباباً من دون الله ورأى الأمم قطعاناً من الغنم ليس لها راع والسياسة كالجمل الهائج حبله على غاربه والسلطان كسيف في يد سكران يجرح به نفسه وأولاده وإخوانه .
فنظر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكما هي طبيعة الأنبياء من قبل بين الرأفة والرحمة فرأى إنساناً قد هانت عليه إنسانيته رآه يسجد للحجر والشجر والنهر وكل ما لا يملك لنفسه النفع والضر رأى إنساناً معكوساُ قد فسد نظام فكره فإذا النظري عنده بديهي والعكس . (26 [26] )
والسؤال الذي يطرح نفسه كيف استطاع الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم إحداث التغيير في مجتمع هذا وضعه وإنسان هذا طبعه.؟
يقول الشيخ الندوي (27 [27] ) : بالإيمان الواسع العميق والتعليم النبوي المتقن ، والتربية الحكيمة الدقيقة وبشخصيته الفذة وبفضل القرآن الكريم المعجز الذي لا تنقضي عجائبه ولا تخلق جدته ، بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الإنسانية المحتضرة حياة جديدة واستطاع أن يغير أوضاعها جملة وتفصيلاً ، لقد وضع صلى الله عليه وسلم مفتاح النبوة على قفل الطبيعة البشرية فانفتح على ما فيها من كنوز وعجائب وقوى ومواهب أصاب الجاهلية في قلبها وصميمها فقضى على عقيدتها الفاسدة واجتث أخلاقها الفاجرة وأقام على إثرها عقيدة التوحيد وأخلاق لا إله إلا الله الفاضلة ، فأخرج بذلك أمة خير أمة أخرجت للناس .
والمنهج الذي أتبعه الرسول صلى الله عليه وأله وصحبه وسلم في التربية هو منهج القرآن فإذا كان منهج القرآن الكريم في التربية يمثل الجانب النظري إذا صح هذا التعبير فإن منهج النبي صلى الله عليه وسلم يمثل الجانب العملي . فقد كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قرأناً يتحرك ، وعندما سئلت عائشة رضي الله تعالى عنها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم - قالت : كان خلقه القرآن .
لقد كان للتغيير الذي أحدثه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في نفوس جيـل الصحابة الرعيل الأول للأمة الإسلامية أثر بالغ في تغيير ملامح مستقبل البشرية ، ويصف الشيخ الندوي(28 [28] ) هذا التغيير قائلاً ( إن الانقلاب الذي أحدثه رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم في نفوس المسلمين وبواسطتهم في المجتمع الإنساني أغرب ما في تاريخ البشرية ، وقد كان هذا الانقلاب غريباً في كل شيء ، غريباً في سرعته وفي عمقه وفي شموله وفي وضوحه وقربه إلى الفهم).
لقد استخدم الرسول صلى الله عليه وسلم كل الطاقات الإنسانية لنشر دعوته وتحقيق المجتمع الذي أرسل من أجل بنائه وتحمل أنواع العذاب والجراحات للانتصار على الأعداء في كل مظهر من مظاهر الجهاد ضدهم(29 [29] ).
لأن المعجزات الخارقة لم تكن طريقاً لدعوه الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بل كان طريق دعوته تحريك العقل ودفع الإنسان إلى فهم نفسه وفهم ما حوله ، وأدراك ما في الوجود من القوانين وأسرار ومحاولة اكتشافها لتسخيرها لصالحه وإقامة مجتمعه العادل عليها (30 [30] ) .
والدراسة الواعية لحياة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تعطينا البرهان القاطع على أنه ما من قانون من قوانين الحياة خلقه الله لأداء حق الأمانة والاستخلاف إلا أتبعه صلى الله عليه وآله وسلم لبناء المجتمع الإسلامي ، سواء أكان ذلك في حياته الفردية أم في حياته الاجتماعية وسواء كان ذلك في سلم أم في حرب (31 [31] ).
وقد كان من أهم خصائص منهج الرسول صلى الله عليه وسلم في التغيير والتربية هو توحيد الله في أسمائه وصفاته والإيمان باليوم الآخر وبالعقيدة عموماً .
وكان منهجه صلى الله عليه وسلم في التغيير إلى جانب ذلك موضوعياً موافقاً للفطرة البشرية التي فطر الله الناس عليها ، وقد كان نتيجة ذلك تزكية نفوس من شملهم ووصل إليهم منهج الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في التغيير والتربية.
وكانت أول خطوة خطاها الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم هي زعزعة عقيدة الشرك وكانت الخطوة الثانية هي غرس عقيدة التوحيد لتحل محل عقيدة الشرك وكانت وسائل هذا المنهج متعددة ومتنوعة منها ضرب الأمثال ولفت الأنظار إلى بطلان الشرك وبطلان تعدد الآلهة وكذا ضرب الأمثال ولفت الأنظار الهادفة إلى بيان وإثبات حقيقة عقيدة التوحيد ، وبعد هدم عقيدة الشرك وإقامة على أثرها عقيدة التوحيد كانت الخطوة الثالثة التي تلتها هي هدم سلوكيات وأخلاقيات عقيدة الشرك وإقامة على أثرها سلوكيات وأخلاقيات عقيدة التوحيد .
وكان القرآن المكي يتنزل بمعاني تربوية عقائدية وكان الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يحدثهم عن الله عز وجل ويرسخ في نفوسهم جلال عظمته ويبين لهم في شخصه الكريم كيف تكون العبودية لله سبحانه وتعالى (32 [32] ).
كما كان صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يحدثهم عن اليوم الآخر وما فيه من أهوال للكافرين وتكريم للمؤمنين وكان يحدثهم عن أخلاق لا إله إلا الله ويتابع ممارستهم لها حتى تصبح عادة تلقائية ، وسار منهجه صلى الله عليه وسلم على هذا المنوال حتى جاء الابتلاء لأن الجاهلية تضيق بدعوة وأخلاق لا إله إلا الله حتى في حالة المهادنة(33 [33] ).
الأمر الذي اضطر النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إلى أن يلجأ إلى الدعوة السرية لدعوة الناس واستمر على هذا المنوال حتى أذن له الله بالهجرة إلى المدينة . وقد زاد من فعالية منهج الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في التربية والتغيير التدرج في إحداث التغيير فلم يستعجل الخطى ولم يحاول قطف الثمر قبل أوانه .
وكان خطاب التغيير الذي حمله الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم موجهاً إلى العالم كله وعمل صلى الله عليه وسلم على إحداث تغيير نفسي عميق للنفس الإنسانية ولم يقتصر في إحداث هذا التغيير على جانب واحد ولم يركز على داء بعينه بل عمل على إحداث التغيير في جميع جوانب الحياة وعمل على إزالة واستئصال كل الأمراض والعلل والأدواء التي كانت تعاني منها البشرية في ذلك الحين ، وبذلك أتى النبي صلى الله عليه وسلم التربية والتغيير من الباب الواسع الذي ينبغي أن يؤتى وصمم وأخرج مفتاح التغيير للعقل المعقد الذي أعيى فتحه جميع المصلحين الذين حاولوا فتحه بغير مفتاحه(34 [34] ).
وكان سبيله في إحداث هذا التغيير قائم على العقيدة الخالصة الصحيحة ورفض كل شيء يفسد ويعكر من صفوها لأن الدخول في تفاصيل الإسلام تقتضي في البداية الاعتراف بحقيقة لا إله إلا الله ورفض ما يخالفها أو يناقضها والخضوع لله والاستسلام له قبل الحديث عن الأوامر والنواهي والتحليل والتحريم لذلك ركز الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم على بيان حقيقة ومعنى لا إله إلا الله ، وكان ينادي في الناس ( قولوا لا إله إلا الله تفلحوا ) (35 [35] ) . لأنه لا يمكن أن يكون إتباع حقيقي للإسلام وتغيير حقيقي لواقع الناس مطابق لما جاء به الإسلام ما لم يتم في البداية الاعتراف بحقيقة لا إله إلا الله ورفض ما يخالفها أو يناقضها كنقطة بداية وانطلاق .
وقد كانت أداة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم لإحداث عملية التغيير أداة تربوية ممثلة في عدة جوانب كان في مقدمتها الآتي:
1- الحكمة والموعظة الحسنة القائمة على الترغيب والترهيب:
وهي مجموعة أقوال وأفعال وتقريرات الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم التي تربي في النفس دوافع تحبب عمل الخير وروادع تبعد عن عمل الشر اشتملت على كل أمور حياة الفرد المادية والروحية والفردية والاجتماعية والتعبدية والفكرية (36 [36] ) .
2- القدوة الحسنة:
لقد كان الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم مربياً عظيماً ذا أسلوب تربوي يراعي حاجات الناس على اختلاف مستوياتهم وأعمارهم يراعي حاجات الطفولة، وطبيعتها ويأمر بمخاطبة الناس على قدر عقولهم ، أي يراعي الفروق الفردية بينهم ، كما يراعي مواهبهم واستعداداتهم وطبائعهم ويراعي في المرآة أنوثتها وفي الرجل رجولته وفي الكهل كهولته ، ويلمس دوافعهم الغريزية فيجود بالمال لمن يحب المال حتى يتألف قلبه ، ويقرب إليه من كان في قومه ذو مكانة وهو من خلال ذلك يدعوهم إلى الله وإلى تطبيق شريعته لتزكية نفوسهم شيئاً فشيئاً، وتوحيد نوازعهم وقلوبهم وتوجيهها للعمل استغلالاً لطاقاتهم الجسمية والعقلية لتحقيق الخير والسمو وبذلك يسمو الفرد وينهض المجتمع(37 [37] ).
إن إيجاد منهج للتغيير متكامل قائم على خطة محكمة لنمو الإنسان وتنظيم مواهبه وحياته النفسية والانفعالية والوجدانية والسلوكية والاستفادة من طاقاته على أكمل وجه لا يغني عن وجود دافع تربوي صالح للتغيير يمثله إنسان مرب يحقق بسلوكه وأسلوبه التربوي كل الأهداف التي يراد بها إقامة المنهج التربوي (38 [38] ) .
وهذا هو الذي حدث لجيل الصحابة لقد وجد فيه هذه القدوة بما تحمله الكلمة من معنى وبالتالي كان ذلك التغيير الكامل العظيم للإنسان الذي شمله ذلك التغيير وقد عبر الله سبحانه وتعالى عن هذه القدوة بقوله ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ) سورة الأحزاب ، آية(21) .
فالرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم كان يمثل الجانب التطبيقي للقرآن الكريم وكان سلوكه وأقواله وأفعاله وتصرفاته وأخلاقه قرآناً يشاهده ويلمسه الصحابة بصورة عززت فيهم جوانب التغيير والانفلات من الماضي بكل متطلباته ومعوقاته وترسباته .
والإنسان بفطرته يحتاج إلى قدوة تكون مثار إعجابه واحترامه حتى يرتبط بها في فعلها وقولها ، وخاصة عندما يكون الإنسان في موقف غريب عليه لم يألفه بل ربما ألف غيره ، كما حصل عندما أراد الله سبحانه وتعالى أن يهدم عادة وتقليداً ليس له أساس في منهج الله وهو التبني فعندما أراد الله ذلك كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم المبلغ عنه خير من ينفذ هذا الأمر حتى يكون قدوة لمن وجه الخطاب إليهم فأمر الله رسوله صلى الله عليه وأله وسلم بالتزوج بمطلقه ابنه من التبني ليبين للناس عملياً بأن زيد بن حارثه ليس له شيء من حقوق البنوة الطبيعية وتشريعاتها ولأن العادة والتقليد كانا ضاربين جذورهما في البيئة الجاهلية التي كان ينتمي إليها الصحابة قبل انتمائهم للإسلام فإن ذلك كان سيصعب تنفيذه من قبل الصحابة ،ولذلك كان لابد أولاً من القدوة في تنفيذ مثل هذا الأمر حتى يقتدي به الناس فكان الرسول صلى الله عليه وسلم القدوة الذي باشر بنفسه بتكليف من الله عز وجل والذي نصه(39 [39] ) ( فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطراً وكان أمر الله مفعولاً ) سورة الأحزاب ، آية 37 .
وتتجلى القدوة إلى جانب ما تم ذكره في المواقف التي تحتاج إلى تضحية كالحروب والإنفاق ونحو ذلك وقد مارس الرسول صلى الله عليه وسلم بكل فعالية واقتدار أخلاقيات وسلوكيات القدوة الحسنة في شأنه كله في الحرب والسلم ففي غزوة الخندق كان يحفر بيده الشريفة مع أصحابه وكان يربط الحجر على بطنه من شدة الجوع، وكان لهذه القدوة أكبر الأثر في نفوس الصحابة وتجلت عظمة أثر هذه القدوة عندما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه في صلح الحديبية أن يتحللوا من العمرة فلم ينفذوا وعندما قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لزوجه أم سلمة ( هلك الناس أمرتهم فلم ينفذوا ) أو كما قال صلى الله عليه وسلم . قالت له ( أفعل أنت ذلك حتى إذا فعلت فعلوا ) وبالفعل عندما رأى الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم باشر ذلك قاموا على الفور وفعلوا مثل ما فعل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وتأثير القدوة في نفوس الناس أمر طبيعي لأنها نابعة من غريزة تكمن في نفوس البشر أجمع لأنها رغبة ملحة تدفع الإنسان مهما كان عمره إلى محاكاة سلوك من هو في موضع القدوة(40 [40] ).
والقدوة الناجح هو الذي يتطابق قوله مع فعله وهذا ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتميز به ، لذلك وصف بأن خلقه كان القرآن وكان قرآناً يتحرك . والقدوة الحسنة في أبسط معانيها تعني الشخصية المتكاملة السوية التي يتطابق قولها مع فعلها وفي المقابل نجد القدوة السيئة بخلاف ذلك.ولذلك حث الله عز وجل على إتباع القدوة الحسنة ممثلة في شخص الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وحذر من القدوة السيئة ممثلة في المنافقين في كل زمان ومكان .وإذا كان القرآن الكريم قد حث على إتباع القدوة الحسنة في أكثر من موضع نجده في المقابل يحذر من القدوة السيئة في أكثر من موضع أيضاً ومن أمثال ذلك العتاب الموجه إلى بني إسرائيل عندما كانوا قدوة سيئة لمن يدعونهم (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون) البقرة آية 44 .. وحذر المؤمنين من أن يكون سلوكهم كذلك فقال (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون) الصف آية 2-4 .
3- البيئة الصالحة:
للبيئة أهمية كبيرة وأثر بالغ في إحداث عملية التغيير ، ولذلك فإن أي تغيير لا يمكن أن يحقق أهدافه كاملة بدون إيجاد البيئة التي تتقبل التغيير المطلوب إحداثه .
ومن هنا لم يهمل الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم دور البيئة في إحداث التغيير ، لأن البيئة تترك في نفس الفرد المراد تغييره أثراً كبيراً لأنها المدرسة التي يأخذ عنها الإنسان عاداته وتقاليده والبيئة الفاسدة تدعو إلى الفساد والإنسان بطبعه ضعيف (خلق الإنسان ضعيفا) النساء آية 28 .
ويندر أن يقاوم الإنسان عوامل الفتنة والإغراء ومن الصعب تكليفه بالاعتدال والمجتمع الذي يعيش فيه منغمس في الفسق والفجور لذلك عمل الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم من الوهلة الأولى لدعوة التغيير على إيجاد البيئة الصالحة والمناسبة لدعوته ولم يفرض الله سبحانه وتعالى ما فرض من حدود إلا بعد أن تم إيجاد هذه البيئة(41 [41] ).
وقد مر منهج الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم من أجل إيجاد هذه البيئة بمرحلتين على النحو الآتي:
المرحلة الأولى:
كانت البيئة التي وجد فيها الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم في مكة تعارض بشدة التغيير الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم(42 [42] ) ، الأمر الذي جعل النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم يفكر في إيجاد البيئة الصالحة والمناسبة لدعوته وقد تم إيجاد هذه البيئة على النحو التالي(43 [43] ):
1- التخلي شيئاً فشيئاً عن البيئة الجاهلية في مكة.
2- السعي إلى تكوين بيئة خاصة بالمسلمين ، وكان دار الأرقم أبن أبي الأرقم نواة هذه البيئة.
3- شعب أبي طالب وهذه البيئة وإن كانت قد فرضت على النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم بخلاف دار الأرقم إلا أنها على الرغم من قساوتها قد أسهمت في تربية جيل الصحابة بصورة إيجابية. والبيئة التي تربى في ظلها الصحابة في العهد المكي سواء تلك التي تم إيجادها برغبة من النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم أو تلك التي فرضت عليهم كانت بيئة خاصة بتكوين الفرد المسلم وتهيئته لإنشاء المجتمع المسلم والدولة المسلمة .
المرحلة الثانية:
إذا كانت البيئة التي أوجدها النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم في العهد المكي قد اقتصرت على تكوين الفرد المسلم وتهيئته لإنشاء المجتمع المسلم والدولة المسلمة فإن البيئة التي أوجدها النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم في العهد المدني قد اتسمت بالشمول حيث شملت تكوين الفرد المسلم والمجتمع والدولة المسلمة بفعل الظروف التي توافرت لها وحرمت منها البيئة الإسلامية في العهد المكي .
وقد اختار الرسول صلى الله عليه وسلم يثرب لتكون الوعاء الذي أحتوى البيئة التي أنشأها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ليتم على أرضها استكمال عملية التربية التي بدأها في مكة المكرمة ولم يكن اختيار الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ليثرب التي سميت فيما بعد بمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً على اختيار عشوائي أو قائماً على الاختيار الاضطراري ، وإنما كان قائماً على الاختيار المدروس والمبرمج لتوافر الظروف الملائمة لإقامة المجتمع المسلم والدولة المسلمة(44 [44] ).
وكان في مقدمة هذه الظروف المناسبة لجعل يثرب أكثر من غيرها دار لهجرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبيئة صالحة ومناسبة لاستكمال عملية التربية توافر الأنصار المؤيدين لدعوة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والذين كانوا نتيجة جهود الرسول صلى الله عليه وآله وسلم التربوية في العهد المكي والمتمثلة في اللقاءات التي تمت بين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من جهة و الأوس والخزرج من جهة أخرى والتي تمخضت عن بيعة العقبة الأولى والثانية التي قدمها الأوس والخزرج لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأرسل مصعب بن عمير رضي الله عنه إلى يثرب سفيراً للرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ومعلماً للمسلمين من الأوس والخزرج وداعياً إلى الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم في يثرب(45 [45] ) .
وقبل أن يعزم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على الهجرة إلى يثرب عرض الأمر على المسلمين من الأوس والخزرج وأعطوا الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم عهداً لحمايته وحماية دعوته (46 [46] ).
أما المكونات الأساسية للبيئة الصالحة والمناسبة لاستكمال عملية التربية التي عمل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على إيجادها في العهد المدني فقد تمثلت في الآتي:
1- الأخوة في الله :
لما قدم الرسول عليه الصلاة والسلام يثرب مهاجراً من مكة كان أول عمل عمله صلى الله عليه وآله وسلم هو مؤاخاته بين الأنصار والمهاجرين ، وكانت تلك اللحظة هي ميلاد الأمة الإسلامية وفي الوقت نفسه ميلاد الدولة الإسلامية حيث امتلكت مقومات قيامها والمتمثلة في الأرض والأمة بعد طول معاناة استغرقت ثلاثة عشر عاماً .
وإذا كان منهج القرآن ومنهج الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في العهد المكي قد ركزا جهودهما على إيجاد العقيدة النقية الصحيحة القائمة على التوحيد ، وهي الأساس الأول للتربية الإسلامية فإن المؤاخاة التي عقدها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بين المهاجرين والأنصار كانت بمثابة تدريب عملي على ( الأخوة الإسلامية ) التي بعثتها العقيدة الإسلامية في نفوس المؤمنين بها (47 [47] ) ( إنما المؤمنون أخوة ) سورة الحجرات آية10 .
وكانت كذلك تدريبا عملياً على التكافل وهو من المعاني العميقة في بناء الجماعة المسلمة حيث يتولى القادرون على أساس الأخوة في الله من جانب وعلى أساس التصرف في مال الله بما يرضي الله من جانب آخر ، لأن العقيدة تربي المسلمين على أن المال الذي في أيديهم هو مال الله في الحقيقة ، هو الذي وهبه وإن شاء أخذه وهو الذي ملكه لمن ملكه له ، ومن ثم يختفي الجشع ، وما دام آمن بهذا الدين فإن الدين قد جعل للمحتاجين إليه في المجتمع المسلم حقاً فينفق المسلم جزءاً من ماله برضاء تام وقناعة بل يشعر بالارتياح عندما ينفق ذلك .
وهذا الإنفاق يشمل الزكاة المفروضة والصدقات المتروكة للتطوع التي لها مقدار محدد وبذلك يتحقق التكافل الاجتماعي في المجتمع المسلم والذي سبق أن تحقق في أول بناء شيد في مدينة رسول الله صلى الله عليه وآله وســلم(48 [48] ) .
وبالإخاء بين المؤمنين مهاجرين وأنصار الذي بناه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأشرف على تنفيذ البناء بنفسه ذابت العصبيات الجاهلية فلا حمية إلا للإسلام وسقطت فوارق النسب واللون والوطن فلا يتأخر أحد أو يتقدم إلا بتقواه، وجعل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هذه الأخوة عقداً نافذاً ارتبط بالتضحية والإيثار ، وكانت عواطف الإيثار والمواساة والمؤانسة تمتزج في هذه الأخوة (49 [49] ) .
وهكذا استطاع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بهدي القرآن والحكمة التي أهداه الله إياها أن يوجد هذه الأخوة الحقة التي لم تشهد تكراراً في صورة جيل وإن تكررت بصورة فردية عبر التاريخ .
2- بناء المسجد :
بعد أن فرغ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من بناء العقيدة النقية في نفوس أصحابه وإيجاد الأخوة الإسلامية شرع في بناء المسجد الذي تم من خلاله رفع نداء عقيدة التوحيد التي طالما حوربت وإقامة الصلوات التي تربط الإنسان بخالقه وتنقي القلب من أدران الأرض ودسائس الحياة الدنيا ، ويتردد عليه المسلمون في اليوم والليلة خمس مرات تزيد من ألفتهم وأخوتهم واعتصامهم بحبل الله (50 [50] ) وهو إلى جانب ذلك مدرسة للتعليم والتربية والتوجيه الروحي والمادي.
3- بناء الأسرة المسلمة :
بعد أن تم بناء الفرد جاء الدور على بناء المجتمع وكان الاهتمام بالأسرة كبيراً باعتبارها القاعدة التي يقوم عليها المجتمع وكان منهج الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم فريداً في بناء الأسرة وربط أفرادها بعلاقات وطيدة قائمة على المحبة والرأفة والمودة والرحمة،وأرسى لها القرآن دعائم ثابتة واضحة المعالم وحدد لكل طرف فيها ماله وما عليه من حقوق وواجبات وضمن للجميع حياة آمنة مستقرة(51 [51] ).
4- حسن الجوار :
لم يكتف الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم بإيجاد العلاقة الطيبة بين المؤمنين بصفة عامة وأفراد الأسرة بصفة خاصة بل عمل على إيجاد العلاقات الطيبة بين أهل الجوار وأوصى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالجار كثيراً وحذر من إيذاء الجار حتى وإن جار(52 [52] ) .
5- تحصين البيئة من المخاطر :
بعد أن عمل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على إيجاد المرتكزات الأساسية للبيئة الصالحة عمل صلى الله عليه وآله وسلم على تحصينها من أي خلل قد يواجهها سواء كان هذا الخلل من داخلها أم من خارجها فعمل على تأمينها من داخلها بتأكيده على مرتكزات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعمل على تأمينها من الأخطار المحيطة بها من خارجها وفي مقدمتها الخطر اليهودي وتم ذلك من خلال عقد المعاهدة مع اليهود المحيطين بهذه البيئة والمتربصين بها (53 [53] ) .
6- العمل على حماية المجتمع والدولة المسلمة :
لم يقتصر الرسول صلى الله عليه وسلم على تحصين البيئة الإسلامية الناشئة من الخطر اليهودي المحيط بها بل عمل على إعداد المجتمع المسلم الناشئ ودولته الناشئة على تحمل مسؤولية الدفاع والقيام بمهمة التربية الإسلامية وإيصالها إلى كل مكان .
فبعد أن كان منهج الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في مكة يقتصر على إعداد الفرد من خلال العقيدة على تحمل الأذى فقد عمل النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم في العهد المدني على إعداد المجتمع من خلال العقيدة أيضاً على تحمل المخاطر المتمثلة في الدفاع عن دولته الناشئة وكيانه من خلال الغزوات والمعارك التي كان ينفذها الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم بين الحين والحين الآخر لمص
د. سليم عبده قائد القباطي
أستاذ مساعد . كلية التربية
ملخص البحث
استهدف البحث التعرف على عوامل نجاح التربية الإسلامية في تربية الصحابة .
وقد حدد الباحث مشكلة البحث في السؤال الرئيس الآتي :
ما العوامل التي وقفت خلف نجاح التربية الإسلامية في تربية الصحابة ؟
ويتفرع عن هذا السؤال الرئيس الأسئلة الفرعية الآتية :
س1: ما طبيعة منهج القرآن الكريم ومنهج الرسول صلى الله عليه وسلم في التربية ؟
س2: ما طبيعة تعامل الصحابة مع منهج القرآن الكريم ومنهج الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في التربية ؟
س3: ما المصادر التي اعتمدت عليها التربية الإسلامية في تربية الصحابة ؟
وحتى يحقق البحث أهدافه وتعالج مشكلة البحث بطريقة موضوعية أستخدم الباحث المنهج التاريخي لمعرفة العوامل التي وقفت خلف نجاح التربية الإسلامية في تربية جيل الصحابة .
أما مصادر البحث ، فقد اعتمد الباحث في جمع المادة العلمية على المراجع المتعلقة بالتربية الإسلامية والمصادر العلمية التي لها علاقة بالبحث وتطلب البحث الرجوع إليها .
أما محتويات البحث فقد جاءت عبارة عن إجابة مفصلة للسؤال الرئيس والأسئلة الفرعية التي تم تحديد مشكلة البحث من خلالها .
وقد توصل البحث إلى أن عوامل نجاح التربية الإسلامية في تربية الصحابة ترجع إلى عوامل بعضها يعود إلى محتوى خطاب القرآن الكريم ومنهجه في التربية وطريقة معالجته لنفوس الصحابة ، وبعضها يعود إلى المعلم ومنهجه في التربية الذي قام بتوصيل هذا الخطاب إلى الصحابة والمتمثل في الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، والبعض الآخر يرجع إلى تعامل الصحابة الإيجابي مع منهج القرآن الكريم ومنهج الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في التربية واقتصار مصادر تربيتهم على القرآن الكريم والسنة المطهرة بعيداً عن أي مؤثر آخر .
وفي ختام البحث حاول الباحث التقدم بعدد من التوصيات في ضوء النتائج التي توصل إليها البحث .
الإطار العام للبحث :
المقدمة :
استطاعت التربية الإسلامية في عهدها الأول وفي فترة زمنية قصيرة وبإمكانات مادية متواضعة أن تصنع من الصحابة خير أمة أخرجت للناس ، ولاشك أن نجاح التربية الإسلامية في تربية الصحابة لم يأت من فراغ وإنما وقف خلفه عوامل متعددة، ومن هنا كان اهتمام الباحث بدراسة العوامل التي وقفت خلف نجاح التربية الإسلامية في تربية الصحابة.
مشكلة البحث :
المدقق في تاريخ الأمة الإسلامية يلحظ ظاهرة تاريخية ذات أهمية أفرزت جيلاً فريداً ، إنه جيل الصحابة الذي لم يعرف التاريخ أن تكرر في صورة جيل وأن كان قد شهد التاريخ أفراداً بين فترة وأخرى ( 1 [1] ).
وهذه الظاهرة تتطلب أن يقف أمامها الباحثون في مجال التربية للتعرف على العوامل التي كانت خلف نجاح التربية الإسلامية في تربية الصحابة .
تحديد مشكلة البحث :
يمكن تحديد مشكلة البحث في السؤال الرئيس الآتي :
ما العوامل التي وقفت خلف نجاح التربية الإسلامية في تربية الصحابة؟
ويتفرع عن هذا السؤال الرئيس الأسئلة الفرعية الآتية :
س1: ما طبيعة منهج القرآن الكريم ومنهج الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في التربية ؟
س2: ما طبيعة تعامل الصحابة مع منهج القرآن الكريم ومنهج الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في التربية ؟
س3: ما المصادر التي اعتمدت عليها التربية الإسلامية في تربية الصحابة ؟
أهداف البحث :
يهدف البحث إلى تحقيق الأهداف الآتية :
1)التعرف على العوامل التي أدت إلى نجاح التربية الإسلامية في تربية الصحابة .
2)الوقوف على المصادر التي اعتمدت عليها التربية الإسلامية في تربية الصحابة .
3)تقديم توصيات يأمل الباحث الاستفادة منها في مجال التربية الإسلامية .
منهج البحث :
اقتضت طبيعة البحث استخدام المنهج التاريخي حيث تم استخدام خطواته في كتابة البحث وجمع المادة العلمية وتحليلها.
مصادر البحث :
تم الاعتماد على المراجع المتعلقة بالتربية الإسلامية والمصادر العلمية التي لها علاقة بالبحث وتطلب البحث الرجوع إليها .
الدراسات السابقة
قام الباحث قبل كتابة هذا البحث بالإطلاع على الدراسات السابقة في مجال التربية الإسلامية وقد كان من بين الدراسات التي تم الإطلاع عليها الآتي :
أولاً: التربية الإسلامية والتغير الاجتماعي( [2] )
تناولت الدراسة مفهوم التغير الاجتماعي بوجه عام ونظرة الإسلام لهذا التغير ومنهج التربية الإسلامية في إحداث التغير ، كما تناولت الدراسة الطبيعة الإنسانية لإمكانية تهذيبها بالتربية .
واستهدفت الدراسة بيان منهجية التربية الإسلامية في التغير الاجتماعي وتوضيح نظرة الإسلام إلى التغير كسنة اجتماعية والقوانين التي تحكم ذلك ، وكذلك توضيح عدم فهم مشكلة التغير وسنته وقوانينه هو سبب التخلف الذي تعاني منه الأمة الإسلامية، كما استهدفت أيضاً جذب الانتباه إلى الدور المسند إلى البشر في تغيير ما بالأنفس وميادين هذا التغير ومؤسساته وكيفية حدوث ذلك ، بالإضافة إلى بيان أهمية فهم الإنسان دوره في تغيير الطبيعة الإنسانية وتوجيهها وغرس القيم والأفكار والمفاهيم لتغيير ما بالأنفس كمقدمة لتغيير المجتمع .
وختم الباحث بحثه بعدد من الاستنتاجات كان من أهمها الآتي :
1) التغير عملية اجتماعية متعددة الجوانب ، وبداية التغير في نظر الإسلام تغيير ما بالأنفس ليتغير المجتمع ، ووسيلته في ذلك التربية الإسلامية لتناولها لجميع جوانب الإنسان .
2) أن التربية الإسلامية بما تملكه من سمات خاصة تجعلها قادرة على تغيير ما بالأنفس وتعديل السلوك وغرس القيم والأفكار والمفاهيم ، وتهذيب الطبيعة الإنسانية وجعل الإنسان يعي سنن التغيير وقوانينه ومتطلباته وتعريف البشر بدورهم في إحداث التغير وبمسؤولياتهم وقدراتهم .
3) إن التغير يخضع لقوانين وسنن وبدون أن يعي الإنسان ذلك وبدون إدراك العلاقة بين تغيير ما بالأنفس وتغيير المجتمع ، تصبح كل الجهود مبعثرة وتكون العملية كمن يحرث في البحر.
4) مشكلة التغيير تكمن في الإنسان وما بنفسه فتغيير المجتمعات ليس خاضعاً للصدفة وإنما يخضع لقوانين والمشكلة مشكلة التفكير وما يعترضه من الجمود والركود وما يصحب ذلك من جمود في التنظيم والتخطيط.
الفرق بين هذه الدراسة والبحث الحالي :
تختلف هذه الدراسة عن البحث الحالي فقد تناولت مفهوم التغير الاجتماعي بوجه عام ونظرة الإسلام لهذا التغير ، ومنهج التربية الإسلامية في إحداث التغير، كما تناولت الطبيعة الإنسانية لإمكانية تهذيبها بالتربية ، بينما البحث الحالي يدور حول عوامل نجاح التربية الإسلامية في تربية الصحابة ، ورغم هذا الاختلاف إلا إن هذه الدراسة تتفق مع البحث الحالي في تناولها لمنهج التربية الإسلامية في إحداث التغير .
ثانياً: التربية الإسلامية والتنمية( [3] )
تناولت الدراسة موقف التربية الإسلامية من التنمية وركائز التنمية الإسلامية ومضامينها التربوية .
وقد توصلت الدراسة إلى العديد من الاستنتاجات والتي كان من بينها الآتي:
1) أن حاجة البلاد العربية والإسلامية للتنمية ماسة لابد لها من نموذج تنمية إسلامية يلبي حاجاتها ويحقق طموحاتها ويلائم طبيعتها وتكوينها ويستطيع استثارة همم الناس لتتجمع حوله فيستطيع تحقيق أهدافها .
2) أن التربية ما زالت هي الحل الأمثل لمساعدة هذه المجتمعات على تجاوز واقعها الراهن، ولكن التربية المطلوبة هي التربية الإسلامية التي يجب أن تصحب نموذج التنمية الإسلامية باعتبارها نظاماً متكاملاً له أهدافه وطرقه ووسائله، مستمد من القرآن الكريم والسنة المطهرة ثم الصحيح من اجتهاد المفكرين عبر العصور الإسلامية بما فيها اجتهاد المفكرين المعاصرين.
3) أن العلاقة قوية بين التنمية الإسلامية والتربية الإسلامية تتجلى في استجابة التربية الإسلامية لجهود التنمية في تنمية إنسان متكامل ملائم لجهود التنمية، وتوفير المناخ الفردي والاجتماعي والاقتصادي الملائم لهذه الجهود، كما أن التنمية تلبي احتياجات التربية وتوفر المناخ الملائم لممارسة وظيفتها .
الفرق بين هذه الدراسة والبحث الحالي :
تختلف هذه الدراسة عن البحث الحالي فقد تناولت موقف التربية الإسلامية من التنمية وركائز التنمية الإسلامية ومضامينها التربوية ، بينما البحث الحالي يتناول عوامل نجاح التربية الإسلامية في تربية الصحابة ، ورغم هذا الاختلاف إلا إن هذه الدراسة تتفق مع البحث الحالي في تناولها لمجال التربية الإسلامية .
ثالثاً: التربية الإسلامية بين الأصالة والمعاصرة( [4] )
يدور موضوع الدراسة حول أهمية التربية الإسلامية للفرد والمجتمع وأهدافها وسماتها التي تميزها عن سائر فلسفات التربية الأخرى ، والتحديات التي تواجه السعي لتطبيقها وتحد من نشاطها .
وقد استهدفت الدراسة المساهمة في إعداد الجيل المسلم الواعي المستنير ومساعدة المربي المسلم في تحديد معالم التربية الإسلامية وسماتها المميزة وتحديات العصر لها .
وتوصلت الدراسة إلى أن التربية الإسلامية تواجه تحديات بعضها داخلية تتمثل في جمود الإنتاج الفكري الإسلامي بل ومحاربة أي محاولة لهذا الإنتاج وبعضها خارجية تتمثل في الغزو الحضاري الذي تتعرض له الحضارة الإسلامية من الحضارة الغربية الذي يعد امتداداً للحروب الصليبية.
الفرق بين هذه الدراسة والبحث الحالي :
تختلف هذه الدراسة عن البحث الحالي في كونها تتناول أْهمية التربية الإسلامية للفرد والمجتمع وأهدافها وسماتها التي تميزها عن سائر فلسفات التربية الأخرى والتحديات التي تواجه السعي لتطبيقها وتحد من نشاطها ، بينما البحث الحالي يتناول عوامل نجاح التربية الإسلامية في تربية الصحابة ، ومع ذلك تتفق هذه الدراسة مع البحث الحالي في تناولها لمجال التربية الإسلامية .
عوامل نجاح التربية الإسلامية في تربية الصحابة :
لعبت عوامل كثيرة في تربية الصحابة بعضها يعود إلى محتوى خطاب القرآن الكريم ومنهجه وطريقة معالجته لنفوس الصحابة، وبعضها يعود إلى منهج الرسول صلى الله عليه وسلم في التربية، والبعض الأخر يرجع إلى الصحابة أنفسهم، واقتصار مصادر تربيتهم على القرآن الكريم والسنة المطهرة بعيداً عن أي مؤثر آخر.
وحتى لا يطول بنا الحديث في سرد هذه العوامل فإننا سوف نتطرق إليها باختصار وذلك على النحو التالي :
أولاً: منهج القرآن الكريم في التربية
تميز القرآن الكريم بمنهج فريد في التربية أتى أكله على خير ما يرام وظهر ذلك جلياً في جيل الصحابة الكرام خير أمة أخرجت للناس .
ومن سمات عظمة منهج القرآن الكريم في التغيير والتربية أنه كان يختار الزمان والمكان والحدث والبيئة المناسبة لإحداث التغيير بالإضافة إلى ظروف وأحوال الفرد والجماعة محل التغيير والتربية ، ففي العهد المكي بظروفه وملابساته اتبع القرآن الكريم منهجاً معيناً للتغيير يتناسب مع ذلك العهد وفي العهد المدني كان للقرآن الكريم منهج يتناسب مع ذلك العهد (5 [5] ) وذلك على النحو الآتي:
أ- العهد المكي :
قامت عملية التغيير والتربية التي تبناها منهج القرآن الكريم في العهد المكي وفق خطوات محكمة ومتدرجة وذلك على النحو التالي :
1- طرق الحس طرقات متتالية عنيفة قوية كان الهدف منها إيقاظ الحس البشري في ذلك الحين الموجه إليه خطاب التغيير القرآني ذلك الحس الذي طال سباته وأطبقت عليه الغفلة وغرق في أوحال الجاهلية وقد كانت الطرقات والصيحات والهزات العنيفة التي حملها الخطاب القرآني إلى مسامع المخاطبين في بداية عهده تتركز جميعها حول النظر والتفكر والتدبر المتعلقة بأمور العقيدة من توحيد الرب الخالق وإثبات الوحي ولفت الأنظار إلى النشأة الأولى للإنسان والأحياء الأخرى في الأرض من نبات وحيوان وإلى مشاهدة هذا الكون وآياته في كتابه المفتوح ومشاهد القيامة العنيفة الطامة والصاخة والقارعة والغاشية ومشاهد الحساب والجزاء صور تقرع وتذهل وتزلزل كمشاهد القيامة الكونية في ضخامتها وهولها واتخاذها جميعاً دلائل على الخلق والتدبير والنشأة الأخرى وموازينها الحاسمة مع التقريع بها والتخويف والتحذير وأحياناً تصاحبها صور من مصارع الغابرين المكذبين . (6 [6] )
2- كان منهج القرآن الكريم في العهد المكي يتركز حول تعريف الناس بالله واليوم الأخر وبقصص الأنبياء والمكذبين من قبل وبقصة آدم مع إبليس وبأخلاقيات لا إله إلا الله التي يريد الله سبحانه وتعالى أن تحل محل أخلاق الجاهلية وكلها دروس في العقيدة.(7 [7] )
وإلى جانب التنديد بالشرك في العهد المكي ندد القرآن الكريم بأخلاق الجاهلية المنتكسة ومفاهيمها الجاهلية الهابطة ويضع في المقابل الأخلاق الإيمانية التي ينبغي أن يكون عليها الإنسان السوي وهي متصلة بالعقيدة في الوقت نفسه لأن العقيدة الإسلامية ليست نظرية أو لاهوتاً يدرس إنما هي واقع سلوكي معين لابد أن يرى أثره في واقع الناس ومن ثم كانت لها أخلاقيات متصلة بها ومنبثقة عنها تشمل الحياة كلها وتضع لها منهجاً مفصلاً (8 [8] ).
وهذا يتسق مع منهج القرآن الكريم في التربية الذي ربط كل تصرفات الإنسان وشئون حياته بالعقيدة لأنه لا يمكن أن يستقيم ذلك إلا بوجود العقيدة الحية الإيجابية المتمكنة من الوجدان والضمير التي تجعل سلوك الإنسان سوياً على الدوام دون انحراف أو زيغ .
3- لمس القلوب واستجاش وجدانها إلى حقيقة الألوهية وهذه الحقيقة هي البوابة الرئيسة لعقيدة الفطرة التي أودعها الله في الفطرة لتنبهها إلى خالقها وتتوجه لله بالعبادة.(9 [9] )
لذلك كان القرآن أول ما يباشر اتصاله بالإنسان يبدأ بفطرته فيوقضها ويذكرها بما هو مغروس في أعماقها ليجد أنها معترفة بوجود الخالق العظيم فهي في ذلك لا تحتاج إلى دليل، والقرآن الكريم حين يوجه نداءه للفطرة لتفيق وتعتدل في الطريق فأول جانب يلفت نظرها إليه ويطلب منها فعله هو جانب العقيدة فيأخذ بيدها إلى مظهر الملك يتعمق بها في أسرار الملكوت ويسألها مع كل لمسة وهمسة ومع كل لفتة وإشارة من مربي هذا ؟ فلا تملك إلا أن تقول الله . (10 [10] )
لقد كان القرآن الكريم يخاطب فطرة ( الإنسان ) بما في وجوده هو وبما في الوجود حوله من دلائل وإيحاءات ، كان يستنقذ فطرته من الركام ، ويخلص أجهزة الاستقبال الفطرية مما ران عليها وعطل وظائفها ، ويفتح منافذ الفطرة لتتلقى الموحيات المؤثرة وتستجيب لها .(11 [11] ) هذا بصفة عامة ، وبصفة خاصة كان القرآن الكريم يخوض بالعقيدة معركة حية واقعية .. ومن ثم لم يكن شكل (النظرية) هو الشكل الذي يناسب هذا الواقع الخاص ، إنما شكل المواجهة الحية للحواجز والمعوقات النفسية وغيرها وكان القرآن الكريم يواجه واقعاً بشرياً بكل ملابساته الحية ويخاطب البشرية بجملتها في خظم هذا الواقع . (12 [12] )
وكان القرآن الكريم وهو يبني العقيدة في ضمائر الجماعة المسلمة يخوض بهذه الجماعة معركة ضخمة مع الجاهلية من حولها ومن هذه الملابسات ظهر بناء العقيدة في تجمع عضوي حيوي وتكوين تنظيمي مباشر للحياة ممثل في الجماعة المسلمة نفسها، وكان نمو الجماعة المسلمة في تصورها الاعتقادي وفي سلوكها الواقعي وفق هذا التصور(13 [13] ).
4 - هدم العقائد الفاسدة في القلوب وفي مقدمتها الشرك ، وأقام على أثرها بنيان العقيدة الصحيحة الصافية النقية ، بأسلوب مقنع سلس يفهمه العامة والخاصة ويفهمه الناس على مختلف مستوياتهم ، ( [14] 14) قائماً على الإقناع العقلي مرتبطاً بإثارة الوجدان والعواطف والانفعالات الإنسانية ، أنه طرق العقل والقلب معاً حيث بدأ أي القرآن الكريم من المحسوس المشهود المسلم به كالمطر ، والرياح ، والنبات ، والرعد ، والبرق ، والشمس ، والقمر ... ثم ينتقل إلى إثبات وجود الله وعظمة قدرته وصفات الكمال ، مع استخدام أسلوب الاستفهام أحياناً إما للتقريع وإما للتنبيه ، وإما للتعجب ، والتذكير بالجميل ونحو ذلك مما يثير في النفس الانفعالات الربانية : كالخضوع والشكر ومحبة الله ثم تأتي العبادات والسلوك الرفيع تطبيقاً عملياً للأخلاق الربانية (15 [15] ).
5- التدرج في التربية حيث نزل القرآن منجماً حسب ما تقتضيه الأحداث، الأمر الذي كان يترك أثراً كبيراً في تربية نفس الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه تمثل في تثبيت الفؤاد وترسيخ الإيمان (16 [16] )، قال تعالى (وقالوا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا) الفرقان آية 32 .
6- ومن أساليب القرآن الكريم في التربية والتغيير اعتماده على العبرة والموعظة الحسنة، ولهذا اشتمل القرآن الكريم على الكثير من قصص الأنبياء والرسل مع أقوامهم والعقوبات التي حلت بالأقوام التي كذبت الرسل، كما اهتم القرآن الكريم بضرب الأمثال على مستوى الأفراد مثل قارون الذي كفر بالنعمة فحل عليه غضب الله وعذابه وقد أشار الله إلى ذلك بقوله (فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين * وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن مّن الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون ) سورة القصص 81-82، وأصحاب الجنة الذين حرموا من النعمة نتيجة الشح وعدم الإنفاق في سبيل الله قال تعالى (إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون فأصبحت كالصريم....) سورة ن 17،18،19،20 .
ولقد ركز القرآن الكريم على الموعظة الحسنة كمنهج من مناهج التربية والتغيير التي اتبعها القرآن الكريم لما لها من إيقاع في القلب وتأثير على السلوك ، لذلك أمر الله سبحانه الرسول عليه وآله وصحبه أفضل الصلاة وأزكى التسليم بأن ينتهج سبيل الوعظ الحسن المرغب غير المنفر فقال تعالى (أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) سورة (النحل) آية 125 وذلك لأن الموعظة الحسنة تزكية للنفس وتطهير لها وبتحققها يسمو المجتمع ويبتعد عن المنكرات وعن الفواحش(17 [17] ).
7- وكان من منهج القرآن في التربية والاستمرار في إحداث التغيير تعميق الصبر في نفوس الصحابة وتحمل المشاق بضرب الأمثال مرغباً في الخير وثوابه ومنفرا" من الشر وعقابه بصورة فريدة كان لها إيقاعها في نفوس الصحابة ، فقد استطاع المنهج القرآني إحياء إنسانية الإنسان وربطه بخالقه وبين علاقته بأخيه الإنسان وكون نظرته إلى الكون والحياة الدنيا وما بعد الحياة الدنيا من خلال العقيدة التي أرسى القرآن الكريم دعائم التربية عليها فاستقرت في القلوب فحولتها وفتحت بصائرها على الكون بما فيه ومن فيه فشعر الإنسان بإنسانيته وأحس أنه جزء من هذا الوجود ذو الرب الواحد والمعبود الواحد(18 [18] ).
8- اعتماد المنهج القرآني في التربية على الحجة الدامغة والاستنتاج والملاحظة والاستقراء(19 [19] ).
9- ظل القرآن المكي ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة عشر عاماً كاملة يحدثه فيها عن قضية واحدة لا تتغير ولكن طريقة عرضها لا تكاد تتكرر... لقد كان يعالج القضية الأولى والكبرى والأساسية في هذا الدين الجديد... قضية العقيدة ممثلة في قاعدتها الرئيسة... الألوهية والعبودية ، وما بينهما من علاقة... ولم يتجاوز القرآن المكي هذه القضية الأساسية إلى شيء مما يقوم عليها من التشريعات المتعلقة بنظام الحياة إلا بعد أن علم الله أنها قد استوفت ما تستحقه من البيان وأنها استقرت استقراراً مكيناً ثابتاً في قلوب العصبة المختارة من بني الإنسان (20 [20] ).
ب- العهد المدني :
المنهج القرآني في التغيير والتربية قائم على العقيدة حتى بعد رسوخها في أذهان أتباعها لم ينقطع الحديث عن العقيدة بانتهاء الفترة المكية بل استمر حتى بعد تكون الدولة المسلمة في المدينة المنورة .(21 [21] ) والفرق الوحيد بين منهج القرآن الكريم في التربية في العهدين المكي والمدني يتمثل في إضافة خطاب آخر إلى خطاب العقيدة ، ففي العهد الملكي كان الخطاب واحداً للمخاطبين بالقرآن الكريم تمثل في العقيدة ، أما في العهد المدني فقد أضيف إليه خطاب آخر تمثل في التشريعات والتوجيهات والتوعية السياسية وإعداد العدة للجهاد ، وبعد أن كان الخطاب القرآني في العهد المكي يلقن من أجل بناء الأساس صارفي العهد المدني يلقن من أجل تشييد البناء بعد أن ترسخت قواعده في العهد المكي . إلا أن استمرار تلقين الخطاب القرآني للمؤمنين بعد أن آمنوا أمر ذو دلاله مهمة لأن معناه أن هذا الخطاب درس لا ينتهي ولا ينقطع أبداً مهما كانت حالة المؤمن من الإيمان فلا بد من التذكير الدائم حتى للمؤمنين(22 [22] ).
والتأكيد على العقيدة حتى بعد رسوخها تعد إشارة واضحة إلى أن الشريعة بما تحمله من تكاليف وتوجيهات لا يمكن فصلها عن العقيدة كما أنها لا يمكن أن تلقى طريقها إلى التطبيق بصورة إيجابية بدون العقيدة .
وبارتباط العقيدة والشريعة نتج عنها المعرفة الإيجابية بالله سبحانه وتعالى التي افتقدتها البشرية في جاهليتها قبل الإسلام كما تفتقدها اليوم في كثير من جوانب حياتها المختلفة .
والعقيدة في بداية عهدها في العهد المكي كانت تهيئ الفرد على تحمل الأذى أما في عهد تأسيس الدولة وتشييد البناء فإن العقيدة ربت الفرد على تحمل المخاطر المتمثلة في الجهاد .
والجهاد يتطلب قيادة ولذلك جاءت التوجيهات لاحترام أولي الأمر وطاعتهم في غير معصية لله سبحانه وتعالى والعودة إليهم في كل مشكلة حتى لا تنتشر الفوضى في التصرفات الفردية الغير منضبطة .(23 [23] )
وفي العهد المدني عهد بناء المجتمع والدولة والحفاظ عليها بالجهاد تم وضع أسس للجوانب الأخلاقية بينت علاقة المجتمع بعضه ببعض وأسس للجوانب السياسية التي بينت علاقة الدولة والمجتمع المسلم باليهود والنصارى والمنافقين. بالإضافة إلى العديد من التوجيهات التي شملت جميع جوانب الحياة المختلفة التي كانت تنمو بسرعة في المجتمع الإسلامي الناشئ(24 [24] ).
ثانياً: منهج الرسول e في التربية والتغيير
لقد كان وضع البشرية يوم بعث النبي محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم وضعاً يبعث على الحسرة ، فبناء البشرية أصيب بزلزال مروع - كما يصف ذلك الندوي(25 [25] ) - نتج عنه خلل شديد فإذا بكل شيء فيه في غير محله فقد رأى مجتمعاً هو الصورة المصغرة للعالم كل شيء فيه في غير محله أصبح الذئب راعياً والخصم قاضياً وأصبح المجرم سعيداً الحظ والصالح محروماً شقياً رأى الرذيلة والأخلاق الدنيئة هي السائدة والفضيلة والأخلاق النبيلة مستغربة ومنبوذة رأى ملوكاً ظالمة ورعية مستعبدة ورهباناً وأحباراً أصبحوا أرباباً من دون الله ورأى الأمم قطعاناً من الغنم ليس لها راع والسياسة كالجمل الهائج حبله على غاربه والسلطان كسيف في يد سكران يجرح به نفسه وأولاده وإخوانه .
فنظر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكما هي طبيعة الأنبياء من قبل بين الرأفة والرحمة فرأى إنساناً قد هانت عليه إنسانيته رآه يسجد للحجر والشجر والنهر وكل ما لا يملك لنفسه النفع والضر رأى إنساناً معكوساُ قد فسد نظام فكره فإذا النظري عنده بديهي والعكس . (26 [26] )
والسؤال الذي يطرح نفسه كيف استطاع الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم إحداث التغيير في مجتمع هذا وضعه وإنسان هذا طبعه.؟
يقول الشيخ الندوي (27 [27] ) : بالإيمان الواسع العميق والتعليم النبوي المتقن ، والتربية الحكيمة الدقيقة وبشخصيته الفذة وبفضل القرآن الكريم المعجز الذي لا تنقضي عجائبه ولا تخلق جدته ، بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الإنسانية المحتضرة حياة جديدة واستطاع أن يغير أوضاعها جملة وتفصيلاً ، لقد وضع صلى الله عليه وسلم مفتاح النبوة على قفل الطبيعة البشرية فانفتح على ما فيها من كنوز وعجائب وقوى ومواهب أصاب الجاهلية في قلبها وصميمها فقضى على عقيدتها الفاسدة واجتث أخلاقها الفاجرة وأقام على إثرها عقيدة التوحيد وأخلاق لا إله إلا الله الفاضلة ، فأخرج بذلك أمة خير أمة أخرجت للناس .
والمنهج الذي أتبعه الرسول صلى الله عليه وأله وصحبه وسلم في التربية هو منهج القرآن فإذا كان منهج القرآن الكريم في التربية يمثل الجانب النظري إذا صح هذا التعبير فإن منهج النبي صلى الله عليه وسلم يمثل الجانب العملي . فقد كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قرأناً يتحرك ، وعندما سئلت عائشة رضي الله تعالى عنها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم - قالت : كان خلقه القرآن .
لقد كان للتغيير الذي أحدثه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في نفوس جيـل الصحابة الرعيل الأول للأمة الإسلامية أثر بالغ في تغيير ملامح مستقبل البشرية ، ويصف الشيخ الندوي(28 [28] ) هذا التغيير قائلاً ( إن الانقلاب الذي أحدثه رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم في نفوس المسلمين وبواسطتهم في المجتمع الإنساني أغرب ما في تاريخ البشرية ، وقد كان هذا الانقلاب غريباً في كل شيء ، غريباً في سرعته وفي عمقه وفي شموله وفي وضوحه وقربه إلى الفهم).
لقد استخدم الرسول صلى الله عليه وسلم كل الطاقات الإنسانية لنشر دعوته وتحقيق المجتمع الذي أرسل من أجل بنائه وتحمل أنواع العذاب والجراحات للانتصار على الأعداء في كل مظهر من مظاهر الجهاد ضدهم(29 [29] ).
لأن المعجزات الخارقة لم تكن طريقاً لدعوه الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بل كان طريق دعوته تحريك العقل ودفع الإنسان إلى فهم نفسه وفهم ما حوله ، وأدراك ما في الوجود من القوانين وأسرار ومحاولة اكتشافها لتسخيرها لصالحه وإقامة مجتمعه العادل عليها (30 [30] ) .
والدراسة الواعية لحياة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تعطينا البرهان القاطع على أنه ما من قانون من قوانين الحياة خلقه الله لأداء حق الأمانة والاستخلاف إلا أتبعه صلى الله عليه وآله وسلم لبناء المجتمع الإسلامي ، سواء أكان ذلك في حياته الفردية أم في حياته الاجتماعية وسواء كان ذلك في سلم أم في حرب (31 [31] ).
وقد كان من أهم خصائص منهج الرسول صلى الله عليه وسلم في التغيير والتربية هو توحيد الله في أسمائه وصفاته والإيمان باليوم الآخر وبالعقيدة عموماً .
وكان منهجه صلى الله عليه وسلم في التغيير إلى جانب ذلك موضوعياً موافقاً للفطرة البشرية التي فطر الله الناس عليها ، وقد كان نتيجة ذلك تزكية نفوس من شملهم ووصل إليهم منهج الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في التغيير والتربية.
وكانت أول خطوة خطاها الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم هي زعزعة عقيدة الشرك وكانت الخطوة الثانية هي غرس عقيدة التوحيد لتحل محل عقيدة الشرك وكانت وسائل هذا المنهج متعددة ومتنوعة منها ضرب الأمثال ولفت الأنظار إلى بطلان الشرك وبطلان تعدد الآلهة وكذا ضرب الأمثال ولفت الأنظار الهادفة إلى بيان وإثبات حقيقة عقيدة التوحيد ، وبعد هدم عقيدة الشرك وإقامة على أثرها عقيدة التوحيد كانت الخطوة الثالثة التي تلتها هي هدم سلوكيات وأخلاقيات عقيدة الشرك وإقامة على أثرها سلوكيات وأخلاقيات عقيدة التوحيد .
وكان القرآن المكي يتنزل بمعاني تربوية عقائدية وكان الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يحدثهم عن الله عز وجل ويرسخ في نفوسهم جلال عظمته ويبين لهم في شخصه الكريم كيف تكون العبودية لله سبحانه وتعالى (32 [32] ).
كما كان صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يحدثهم عن اليوم الآخر وما فيه من أهوال للكافرين وتكريم للمؤمنين وكان يحدثهم عن أخلاق لا إله إلا الله ويتابع ممارستهم لها حتى تصبح عادة تلقائية ، وسار منهجه صلى الله عليه وسلم على هذا المنوال حتى جاء الابتلاء لأن الجاهلية تضيق بدعوة وأخلاق لا إله إلا الله حتى في حالة المهادنة(33 [33] ).
الأمر الذي اضطر النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إلى أن يلجأ إلى الدعوة السرية لدعوة الناس واستمر على هذا المنوال حتى أذن له الله بالهجرة إلى المدينة . وقد زاد من فعالية منهج الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في التربية والتغيير التدرج في إحداث التغيير فلم يستعجل الخطى ولم يحاول قطف الثمر قبل أوانه .
وكان خطاب التغيير الذي حمله الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم موجهاً إلى العالم كله وعمل صلى الله عليه وسلم على إحداث تغيير نفسي عميق للنفس الإنسانية ولم يقتصر في إحداث هذا التغيير على جانب واحد ولم يركز على داء بعينه بل عمل على إحداث التغيير في جميع جوانب الحياة وعمل على إزالة واستئصال كل الأمراض والعلل والأدواء التي كانت تعاني منها البشرية في ذلك الحين ، وبذلك أتى النبي صلى الله عليه وسلم التربية والتغيير من الباب الواسع الذي ينبغي أن يؤتى وصمم وأخرج مفتاح التغيير للعقل المعقد الذي أعيى فتحه جميع المصلحين الذين حاولوا فتحه بغير مفتاحه(34 [34] ).
وكان سبيله في إحداث هذا التغيير قائم على العقيدة الخالصة الصحيحة ورفض كل شيء يفسد ويعكر من صفوها لأن الدخول في تفاصيل الإسلام تقتضي في البداية الاعتراف بحقيقة لا إله إلا الله ورفض ما يخالفها أو يناقضها والخضوع لله والاستسلام له قبل الحديث عن الأوامر والنواهي والتحليل والتحريم لذلك ركز الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم على بيان حقيقة ومعنى لا إله إلا الله ، وكان ينادي في الناس ( قولوا لا إله إلا الله تفلحوا ) (35 [35] ) . لأنه لا يمكن أن يكون إتباع حقيقي للإسلام وتغيير حقيقي لواقع الناس مطابق لما جاء به الإسلام ما لم يتم في البداية الاعتراف بحقيقة لا إله إلا الله ورفض ما يخالفها أو يناقضها كنقطة بداية وانطلاق .
وقد كانت أداة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم لإحداث عملية التغيير أداة تربوية ممثلة في عدة جوانب كان في مقدمتها الآتي:
1- الحكمة والموعظة الحسنة القائمة على الترغيب والترهيب:
وهي مجموعة أقوال وأفعال وتقريرات الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم التي تربي في النفس دوافع تحبب عمل الخير وروادع تبعد عن عمل الشر اشتملت على كل أمور حياة الفرد المادية والروحية والفردية والاجتماعية والتعبدية والفكرية (36 [36] ) .
2- القدوة الحسنة:
لقد كان الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم مربياً عظيماً ذا أسلوب تربوي يراعي حاجات الناس على اختلاف مستوياتهم وأعمارهم يراعي حاجات الطفولة، وطبيعتها ويأمر بمخاطبة الناس على قدر عقولهم ، أي يراعي الفروق الفردية بينهم ، كما يراعي مواهبهم واستعداداتهم وطبائعهم ويراعي في المرآة أنوثتها وفي الرجل رجولته وفي الكهل كهولته ، ويلمس دوافعهم الغريزية فيجود بالمال لمن يحب المال حتى يتألف قلبه ، ويقرب إليه من كان في قومه ذو مكانة وهو من خلال ذلك يدعوهم إلى الله وإلى تطبيق شريعته لتزكية نفوسهم شيئاً فشيئاً، وتوحيد نوازعهم وقلوبهم وتوجيهها للعمل استغلالاً لطاقاتهم الجسمية والعقلية لتحقيق الخير والسمو وبذلك يسمو الفرد وينهض المجتمع(37 [37] ).
إن إيجاد منهج للتغيير متكامل قائم على خطة محكمة لنمو الإنسان وتنظيم مواهبه وحياته النفسية والانفعالية والوجدانية والسلوكية والاستفادة من طاقاته على أكمل وجه لا يغني عن وجود دافع تربوي صالح للتغيير يمثله إنسان مرب يحقق بسلوكه وأسلوبه التربوي كل الأهداف التي يراد بها إقامة المنهج التربوي (38 [38] ) .
وهذا هو الذي حدث لجيل الصحابة لقد وجد فيه هذه القدوة بما تحمله الكلمة من معنى وبالتالي كان ذلك التغيير الكامل العظيم للإنسان الذي شمله ذلك التغيير وقد عبر الله سبحانه وتعالى عن هذه القدوة بقوله ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ) سورة الأحزاب ، آية(21) .
فالرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم كان يمثل الجانب التطبيقي للقرآن الكريم وكان سلوكه وأقواله وأفعاله وتصرفاته وأخلاقه قرآناً يشاهده ويلمسه الصحابة بصورة عززت فيهم جوانب التغيير والانفلات من الماضي بكل متطلباته ومعوقاته وترسباته .
والإنسان بفطرته يحتاج إلى قدوة تكون مثار إعجابه واحترامه حتى يرتبط بها في فعلها وقولها ، وخاصة عندما يكون الإنسان في موقف غريب عليه لم يألفه بل ربما ألف غيره ، كما حصل عندما أراد الله سبحانه وتعالى أن يهدم عادة وتقليداً ليس له أساس في منهج الله وهو التبني فعندما أراد الله ذلك كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم المبلغ عنه خير من ينفذ هذا الأمر حتى يكون قدوة لمن وجه الخطاب إليهم فأمر الله رسوله صلى الله عليه وأله وسلم بالتزوج بمطلقه ابنه من التبني ليبين للناس عملياً بأن زيد بن حارثه ليس له شيء من حقوق البنوة الطبيعية وتشريعاتها ولأن العادة والتقليد كانا ضاربين جذورهما في البيئة الجاهلية التي كان ينتمي إليها الصحابة قبل انتمائهم للإسلام فإن ذلك كان سيصعب تنفيذه من قبل الصحابة ،ولذلك كان لابد أولاً من القدوة في تنفيذ مثل هذا الأمر حتى يقتدي به الناس فكان الرسول صلى الله عليه وسلم القدوة الذي باشر بنفسه بتكليف من الله عز وجل والذي نصه(39 [39] ) ( فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطراً وكان أمر الله مفعولاً ) سورة الأحزاب ، آية 37 .
وتتجلى القدوة إلى جانب ما تم ذكره في المواقف التي تحتاج إلى تضحية كالحروب والإنفاق ونحو ذلك وقد مارس الرسول صلى الله عليه وسلم بكل فعالية واقتدار أخلاقيات وسلوكيات القدوة الحسنة في شأنه كله في الحرب والسلم ففي غزوة الخندق كان يحفر بيده الشريفة مع أصحابه وكان يربط الحجر على بطنه من شدة الجوع، وكان لهذه القدوة أكبر الأثر في نفوس الصحابة وتجلت عظمة أثر هذه القدوة عندما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه في صلح الحديبية أن يتحللوا من العمرة فلم ينفذوا وعندما قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لزوجه أم سلمة ( هلك الناس أمرتهم فلم ينفذوا ) أو كما قال صلى الله عليه وسلم . قالت له ( أفعل أنت ذلك حتى إذا فعلت فعلوا ) وبالفعل عندما رأى الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم باشر ذلك قاموا على الفور وفعلوا مثل ما فعل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وتأثير القدوة في نفوس الناس أمر طبيعي لأنها نابعة من غريزة تكمن في نفوس البشر أجمع لأنها رغبة ملحة تدفع الإنسان مهما كان عمره إلى محاكاة سلوك من هو في موضع القدوة(40 [40] ).
والقدوة الناجح هو الذي يتطابق قوله مع فعله وهذا ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتميز به ، لذلك وصف بأن خلقه كان القرآن وكان قرآناً يتحرك . والقدوة الحسنة في أبسط معانيها تعني الشخصية المتكاملة السوية التي يتطابق قولها مع فعلها وفي المقابل نجد القدوة السيئة بخلاف ذلك.ولذلك حث الله عز وجل على إتباع القدوة الحسنة ممثلة في شخص الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وحذر من القدوة السيئة ممثلة في المنافقين في كل زمان ومكان .وإذا كان القرآن الكريم قد حث على إتباع القدوة الحسنة في أكثر من موضع نجده في المقابل يحذر من القدوة السيئة في أكثر من موضع أيضاً ومن أمثال ذلك العتاب الموجه إلى بني إسرائيل عندما كانوا قدوة سيئة لمن يدعونهم (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون) البقرة آية 44 .. وحذر المؤمنين من أن يكون سلوكهم كذلك فقال (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون) الصف آية 2-4 .
3- البيئة الصالحة:
للبيئة أهمية كبيرة وأثر بالغ في إحداث عملية التغيير ، ولذلك فإن أي تغيير لا يمكن أن يحقق أهدافه كاملة بدون إيجاد البيئة التي تتقبل التغيير المطلوب إحداثه .
ومن هنا لم يهمل الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم دور البيئة في إحداث التغيير ، لأن البيئة تترك في نفس الفرد المراد تغييره أثراً كبيراً لأنها المدرسة التي يأخذ عنها الإنسان عاداته وتقاليده والبيئة الفاسدة تدعو إلى الفساد والإنسان بطبعه ضعيف (خلق الإنسان ضعيفا) النساء آية 28 .
ويندر أن يقاوم الإنسان عوامل الفتنة والإغراء ومن الصعب تكليفه بالاعتدال والمجتمع الذي يعيش فيه منغمس في الفسق والفجور لذلك عمل الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم من الوهلة الأولى لدعوة التغيير على إيجاد البيئة الصالحة والمناسبة لدعوته ولم يفرض الله سبحانه وتعالى ما فرض من حدود إلا بعد أن تم إيجاد هذه البيئة(41 [41] ).
وقد مر منهج الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم من أجل إيجاد هذه البيئة بمرحلتين على النحو الآتي:
المرحلة الأولى:
كانت البيئة التي وجد فيها الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم في مكة تعارض بشدة التغيير الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم(42 [42] ) ، الأمر الذي جعل النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم يفكر في إيجاد البيئة الصالحة والمناسبة لدعوته وقد تم إيجاد هذه البيئة على النحو التالي(43 [43] ):
1- التخلي شيئاً فشيئاً عن البيئة الجاهلية في مكة.
2- السعي إلى تكوين بيئة خاصة بالمسلمين ، وكان دار الأرقم أبن أبي الأرقم نواة هذه البيئة.
3- شعب أبي طالب وهذه البيئة وإن كانت قد فرضت على النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم بخلاف دار الأرقم إلا أنها على الرغم من قساوتها قد أسهمت في تربية جيل الصحابة بصورة إيجابية. والبيئة التي تربى في ظلها الصحابة في العهد المكي سواء تلك التي تم إيجادها برغبة من النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم أو تلك التي فرضت عليهم كانت بيئة خاصة بتكوين الفرد المسلم وتهيئته لإنشاء المجتمع المسلم والدولة المسلمة .
المرحلة الثانية:
إذا كانت البيئة التي أوجدها النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم في العهد المكي قد اقتصرت على تكوين الفرد المسلم وتهيئته لإنشاء المجتمع المسلم والدولة المسلمة فإن البيئة التي أوجدها النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم في العهد المدني قد اتسمت بالشمول حيث شملت تكوين الفرد المسلم والمجتمع والدولة المسلمة بفعل الظروف التي توافرت لها وحرمت منها البيئة الإسلامية في العهد المكي .
وقد اختار الرسول صلى الله عليه وسلم يثرب لتكون الوعاء الذي أحتوى البيئة التي أنشأها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ليتم على أرضها استكمال عملية التربية التي بدأها في مكة المكرمة ولم يكن اختيار الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ليثرب التي سميت فيما بعد بمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً على اختيار عشوائي أو قائماً على الاختيار الاضطراري ، وإنما كان قائماً على الاختيار المدروس والمبرمج لتوافر الظروف الملائمة لإقامة المجتمع المسلم والدولة المسلمة(44 [44] ).
وكان في مقدمة هذه الظروف المناسبة لجعل يثرب أكثر من غيرها دار لهجرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبيئة صالحة ومناسبة لاستكمال عملية التربية توافر الأنصار المؤيدين لدعوة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والذين كانوا نتيجة جهود الرسول صلى الله عليه وآله وسلم التربوية في العهد المكي والمتمثلة في اللقاءات التي تمت بين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من جهة و الأوس والخزرج من جهة أخرى والتي تمخضت عن بيعة العقبة الأولى والثانية التي قدمها الأوس والخزرج لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأرسل مصعب بن عمير رضي الله عنه إلى يثرب سفيراً للرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ومعلماً للمسلمين من الأوس والخزرج وداعياً إلى الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم في يثرب(45 [45] ) .
وقبل أن يعزم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على الهجرة إلى يثرب عرض الأمر على المسلمين من الأوس والخزرج وأعطوا الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم عهداً لحمايته وحماية دعوته (46 [46] ).
أما المكونات الأساسية للبيئة الصالحة والمناسبة لاستكمال عملية التربية التي عمل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على إيجادها في العهد المدني فقد تمثلت في الآتي:
1- الأخوة في الله :
لما قدم الرسول عليه الصلاة والسلام يثرب مهاجراً من مكة كان أول عمل عمله صلى الله عليه وآله وسلم هو مؤاخاته بين الأنصار والمهاجرين ، وكانت تلك اللحظة هي ميلاد الأمة الإسلامية وفي الوقت نفسه ميلاد الدولة الإسلامية حيث امتلكت مقومات قيامها والمتمثلة في الأرض والأمة بعد طول معاناة استغرقت ثلاثة عشر عاماً .
وإذا كان منهج القرآن ومنهج الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في العهد المكي قد ركزا جهودهما على إيجاد العقيدة النقية الصحيحة القائمة على التوحيد ، وهي الأساس الأول للتربية الإسلامية فإن المؤاخاة التي عقدها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بين المهاجرين والأنصار كانت بمثابة تدريب عملي على ( الأخوة الإسلامية ) التي بعثتها العقيدة الإسلامية في نفوس المؤمنين بها (47 [47] ) ( إنما المؤمنون أخوة ) سورة الحجرات آية10 .
وكانت كذلك تدريبا عملياً على التكافل وهو من المعاني العميقة في بناء الجماعة المسلمة حيث يتولى القادرون على أساس الأخوة في الله من جانب وعلى أساس التصرف في مال الله بما يرضي الله من جانب آخر ، لأن العقيدة تربي المسلمين على أن المال الذي في أيديهم هو مال الله في الحقيقة ، هو الذي وهبه وإن شاء أخذه وهو الذي ملكه لمن ملكه له ، ومن ثم يختفي الجشع ، وما دام آمن بهذا الدين فإن الدين قد جعل للمحتاجين إليه في المجتمع المسلم حقاً فينفق المسلم جزءاً من ماله برضاء تام وقناعة بل يشعر بالارتياح عندما ينفق ذلك .
وهذا الإنفاق يشمل الزكاة المفروضة والصدقات المتروكة للتطوع التي لها مقدار محدد وبذلك يتحقق التكافل الاجتماعي في المجتمع المسلم والذي سبق أن تحقق في أول بناء شيد في مدينة رسول الله صلى الله عليه وآله وســلم(48 [48] ) .
وبالإخاء بين المؤمنين مهاجرين وأنصار الذي بناه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأشرف على تنفيذ البناء بنفسه ذابت العصبيات الجاهلية فلا حمية إلا للإسلام وسقطت فوارق النسب واللون والوطن فلا يتأخر أحد أو يتقدم إلا بتقواه، وجعل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هذه الأخوة عقداً نافذاً ارتبط بالتضحية والإيثار ، وكانت عواطف الإيثار والمواساة والمؤانسة تمتزج في هذه الأخوة (49 [49] ) .
وهكذا استطاع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بهدي القرآن والحكمة التي أهداه الله إياها أن يوجد هذه الأخوة الحقة التي لم تشهد تكراراً في صورة جيل وإن تكررت بصورة فردية عبر التاريخ .
2- بناء المسجد :
بعد أن فرغ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من بناء العقيدة النقية في نفوس أصحابه وإيجاد الأخوة الإسلامية شرع في بناء المسجد الذي تم من خلاله رفع نداء عقيدة التوحيد التي طالما حوربت وإقامة الصلوات التي تربط الإنسان بخالقه وتنقي القلب من أدران الأرض ودسائس الحياة الدنيا ، ويتردد عليه المسلمون في اليوم والليلة خمس مرات تزيد من ألفتهم وأخوتهم واعتصامهم بحبل الله (50 [50] ) وهو إلى جانب ذلك مدرسة للتعليم والتربية والتوجيه الروحي والمادي.
3- بناء الأسرة المسلمة :
بعد أن تم بناء الفرد جاء الدور على بناء المجتمع وكان الاهتمام بالأسرة كبيراً باعتبارها القاعدة التي يقوم عليها المجتمع وكان منهج الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم فريداً في بناء الأسرة وربط أفرادها بعلاقات وطيدة قائمة على المحبة والرأفة والمودة والرحمة،وأرسى لها القرآن دعائم ثابتة واضحة المعالم وحدد لكل طرف فيها ماله وما عليه من حقوق وواجبات وضمن للجميع حياة آمنة مستقرة(51 [51] ).
4- حسن الجوار :
لم يكتف الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم بإيجاد العلاقة الطيبة بين المؤمنين بصفة عامة وأفراد الأسرة بصفة خاصة بل عمل على إيجاد العلاقات الطيبة بين أهل الجوار وأوصى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالجار كثيراً وحذر من إيذاء الجار حتى وإن جار(52 [52] ) .
5- تحصين البيئة من المخاطر :
بعد أن عمل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على إيجاد المرتكزات الأساسية للبيئة الصالحة عمل صلى الله عليه وآله وسلم على تحصينها من أي خلل قد يواجهها سواء كان هذا الخلل من داخلها أم من خارجها فعمل على تأمينها من داخلها بتأكيده على مرتكزات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعمل على تأمينها من الأخطار المحيطة بها من خارجها وفي مقدمتها الخطر اليهودي وتم ذلك من خلال عقد المعاهدة مع اليهود المحيطين بهذه البيئة والمتربصين بها (53 [53] ) .
6- العمل على حماية المجتمع والدولة المسلمة :
لم يقتصر الرسول صلى الله عليه وسلم على تحصين البيئة الإسلامية الناشئة من الخطر اليهودي المحيط بها بل عمل على إعداد المجتمع المسلم الناشئ ودولته الناشئة على تحمل مسؤولية الدفاع والقيام بمهمة التربية الإسلامية وإيصالها إلى كل مكان .
فبعد أن كان منهج الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في مكة يقتصر على إعداد الفرد من خلال العقيدة على تحمل الأذى فقد عمل النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم في العهد المدني على إعداد المجتمع من خلال العقيدة أيضاً على تحمل المخاطر المتمثلة في الدفاع عن دولته الناشئة وكيانه من خلال الغزوات والمعارك التي كان ينفذها الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم بين الحين والحين الآخر لمص
لقد عرف الصحابة رضي الله
تعالى عنهم وأدركـــوا حقيقة الجاهلية التي كانوا يعيشون فيها قبل إسلامهم ،
وكانت هذه المعرفة عميقة وحية وإيجابية وفي الوقت ذاته شاملة فلم تقتصر
على جانب دون آخر وإنما شملت الشكل والمضمون وأبعاد الجاهلية ونتائجها ،
ولم تبرز هذه المعرفة لحقيقة الجاهلية إلا بمعرفة حقيقة الإسلام -
(وبالأضداد تتميز الأشياء ) - الذي تم التعرف عليه بصورة شاملة وإيجابية
لمعطياته وأبعاده ونتائجه وعقيدته وأخلاقه فقدروه حق قدره. لقد كان تقديرهم
للإسلام والانتماء إلية عظيماً جداً وفي الوقت نفسه كان تقديرهم للعودة
للجاهلية مرة أخرى أو التخلق بأخلاقها أمراً لا يمكن استساغته أو الاقتراب
منه فقد ذاقوا حلاوة الإسلام كما ذاقوا مرارة الجاهلية ، ومن هنا جاءت
مقولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه (لا يعرف الإسلام من لا يعرف الجاهلية)
ولذلك كان تمسكهم بالإسلام شديداً وتقديرهم له عظيماً(61 [61] ).
5- التخلي التام والحاسم عن الجاهلية :
كان
من بين العوامل المهمة في تربية جيل الصحابة ، التخلي بصورة كاملة وحاسمة
عن كل شيء له علاقة بحياة الجاهلية قبل ولوج حياة الإسلام ، وكان يشعر
الصحابي في اللحظة التي يجيء فيها إلى الإسلام أنه يبدأ عهداً جديداً
منفصلاً عن حياته التي عاشها في الجاهلية إنه كان يدفن ماضيه الجاهلي ويعلن
ميلاداً جديداً وبهذا الإحساس كان يتلقى الإسلام (62 [62] ) .
لقد
انقطعت صلة الصحابي تماماً بالجاهلية واتصل اتصالاً تاماً وثيقاً بالحياة
الإسلامية وتمثل هذا الانقطاع في العداوة للمجتمع الجاهلي وهجرة البيئة
الجاهلية وعرفها وتصورها وعاداتها وروابطها التي محورها الشرك ، وتمثل
الاتصال بالحياة الإسلامية في عقيدة التوحيد الخالصة والتصور الإسلامي
للوجود والحياة والولاء والطاعة والانقياد للإسلام (63 [63] ) والهوية
الجديدة ، بذلك تغلب على كل الرواسب والمعوقات التي من شأنها أن تجره إلى
ماضيه الجاهلي شكلاً ومضموناً .
وتولد عنده الرغبة الأكيدة الصادقة
والحب والود والرحمة للعهد الجديد الذي أفتتحه بمعرفة الله حق المعرفة
وبالتخلي عن الجاهلية والالتحام بالإسلام .
ومن هنا شعر في قرارة نفسه
بحب شديد غامر لله سبحانه وتعالى فاق حب الدنيا وزينتها وكره الجاهلية أو
العودة إليها وما يرتبط بها شكلاً ومضموناً كما يكره أن يقذف في النار .
6- استيعاب العقيدة :
تركت
العقيدة الإسلامية التي تم استيعابها من قبل الصحابة أثرا" عظيماً في
تصورهم وسلوكهم ، فبعد تبدد العقيدة الفاسدة في نفوسهم وحلت محلها العقيدة
الصحيحة القائمة على التوحيد الخالص ظهر الأمر على حقيقته فتجسد الإله
الواحد الحق للوجود وتلاشت صورة الأرباب التي كانت عالقة في أذهان الصحابة
قبل معرفة الله تعالى المعرفة الحقيقية الإيجابية(64 [64] ).
ومن خلال
العقيدة الصحيحة استطاع الصحابة رضي الله عنهم رؤية نور الحق وما ينطوي
عليه من توحيد خالص قضى على ظلمه الباطل وما يحمله في طياته من شرك وأرباب
تعبد من دون الله سبحانه وتعالى وبفعل العقيدة الصحيحة تحطمت القيود التي
كانت مكبلة للصحابة قبل إسلامهم وتغيرت محاور الثقل الأكبر للعقيدة الصحيحة
وتغيرت الصورة في الأذهان ، فبعد أن كانت الصورة في أذهان الصحابة رضي
الله عنهم قبل إسلامهم مبهمة غامضة غير ذات دلالة(65 [65] ) ( ... نموت
ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر ) سورة الجاثية آيه 24 ، تغيرت الصورة بفعل
استيعاب العقيدة الصحيحة النقية القائمة على التوحيد الخالص فأصبح الكون
كون الله - محكم التدبير لا يتم فيه شيء على الإطلاق إلا بقدر من الله
وتدبيره ومشيئته محسوب بدقة معجزة (66 [66] ) ( إنا كل شيء خلقناه بقدر )
سورة القمر 49 .
والتغيير في التصور ينتج عنه تغير في السلوك ، فالتصور
الذي كان قائماً في أذهان الصحابة قبل الإسلام والمتمثل في تعدد الآلهة
نتج عنه سلوك غير مرغوب فيه يتفق مع التصور القائم في الذهن وعندما تغير
هذا التصور تغير السلوك وأصبح سلوكاً سويا ونتيجة لذلك شعر الصحابة
بالسعادة تغمرهم بفعل التخلي عن التصور الذي عطل إنسانيتهم وشعروا في الوقت
نفسه بحب الله سبحانه وتعالى يغمر وجدانهم الذي أنقذهم من ذلك ، وحب ا
لرسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم الذي كان السبب في هذه
السعادة(67 [67] ) .
وهذا ما عبر عنه الرسول عليه الصلاة والتسليم بقوله
( ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه
مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر بعد
أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار(68 [68] ).
وهذا الحديث
العظيم يبين أموراً في غاية الأهمية حيث يبين ارتباط المؤمن بالله سبحانه
وتعالى أولاً وبالرسول صلى الله عليه وسلم ثانياً وبالإنسان المؤمن ثالثاً
ثم الكراهية للكفر والعودة للجاهلية ومجتمعها كما يكره الإنسان أن يقذف في
النار.
وهذه الصفات الثلاث تحققت في صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
وحب
الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم أمر مهم في التغيير والتربية إذا وجد
هذا الحب في القلب فإنه يمثل نقطة ارتكاز المشاعر جميعها ومحور الحركة
الشعورية والسلوكية كلها ، وهو إلى جانب ذلك المدخل الرئيس للتربية من
المنظور الإسلامي ونقطة ارتكازها ومنطلقها فإذا وجد هذا الحب كان من السهل
أن يربى الفرد تربية إسلامية مهما واجهته من معوقات أو لحق به أذى .
إن
الذي تم من أول وهلة هو ذلك الحب العميق لله ورسوله صلى الله عليه وآله
وسلم والالتقاء على حب الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم والاستعداد
العميق للتلقي من الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ونبذ التلقي من أي
مصدر آخر في الوجود.(69 [69] )
وترجم هذا الحب إلى سلوك عملي تمثل ذلك
في الانقياد والطاعة التامة فعندما نهى رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم
أهل المدينة عن كلام الثلاثة الذين تخلفوا في غزوة تبوك فما كان من الناس
إلا أن أطاعوه طاعة تامة . (70 [70] )
لقد تركت القدوة الحسنة المتمثلة
في شخص الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وعقيدة التوحيد التي حلت محل عقيدة
الشرك ونور القرآن الساطع أثراً عميقاً في نفوس الصحابة فأحبوا الله
ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم حباً فاق حب أنفسهم وأبنائهم وآبائهم
وأزواجهم فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه بعد ما أسلم ضرب ضرباً شديداً
ودنا منه عتبة بن ربيعة فجعل يضربه بنعلين مخصوفين على بطنه حتى لا يعرف
وجهه من أنفه وحمل في ثوب حتى أدخلوه منزله ولا يشكون في موته فتكلم آخر
النهار فقال ما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبى أن يأكل الطعام
أو يشرب الشراب حتى اطمأن على حال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد
أن ألح في التعرف على المكان الذي هو ماكث فيه وأصر أن يذهبوا به إلى رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم (71 [71] ) .
ولم تقتصر العقيدة على ما تم ذكره فحسب إنما سعت أيضاً إلى تحقيق الآتي :
1-
معالجة جميع جوانب الضعف وربط ذلك بالآخرة مع إيضاح حقيقة الدنيا وحقيقة
الآخرة وبين لهم الأعمال التي يمكن أن يمارسوها وربط قبول الأعمال بالعقيدة
القائمة على الإيمان بالله واليوم الآخر .
2- تربية عقول الصحابة على
سعة النظر وحب الإطلاع على أسرار الكون والطموح إلى معرفة ما وراء الحس (72
[72] ). فاستطاعت بذلك تحويل عقول الصحابة من عقول جامدة وتفكير ساذج إلى
عقول واسعة النظر محبة للإطلاع على أسرار الكون ونتيجة لذلك جاءت أفعال
الصحابة وتصرفاتهم تتفق مع المنطق السليم بعد ما كانت مخالفة له في عهد
الجاهلية ، وهذا التحول والنقلة النوعية كان محركها الأساسي ومصدرها الأصلي
العقيدة التي بذرها القرآن الكريم في نفوس وقلوب وعقول الصحابة وعزز من
ترسيخها رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم من خلال أفعاله وأقواله
وتقريراته .
3- صنعت عقيدة التوحيد من الصحابة أناساً إيجابيين
وأبعدتهم عن الركون إلى أحد مهما كانت منزلته وقرابته في نفوسهم ورسخت في
أذهانهم بأنهم مسئولون عن سلوكهم قولاً وفعلاً وأنه لن يحاسب أحد عوضاً عن
أحد ولا يمكن أن يشفع أحد لأحد إلا بأذن من الله . وبالعقيدة الخالصة لله
سبحانه وتعالى اطمأنت قلوبهم وسكنت نفوسهم وقنعت بما قسم الله لها فلا جشع
ولا جزع ولا حسد ولا هلع ولا أنانية ، لأنه وبتعليم من رسول الله صلى الله
عليه وآله وصحبه وسلم يرددون صباحاً ومساءً : اللهم ما أصبح أو أمسى بنا من
نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد ولك الشكر .
وإلى
جانب الاطمئنان المتوازن في شعورهم فهم ليسوا بمغرورين بأنفسهم ولا قانطين
عن رحمة ربهم بل هم متسلحون بالأمل والرجاء فإذا قصروا أو أخطئوا خافوا
عذاب ربهم ورجوا رحمته(73 [73] )وقد ساعد على وضوح العقيدة في نفوس الصحابة
تحمل الابتلاءات التي واجهوها والصمود أمام كل المحن التي تعرضوا لها .
وكانت
الابتلاءات والمحن التي تعرض لها جيل الصحابة عبارة عن محك عملي واختبار
لرسوخ العقيدة وتمكنها من القلوب وأثناء الابتلاء كان القرآن الكريم يتنزل
بقصص الأنبياء وقصص المكذبين من قبل على مدار التاريخ إلى جانب المعاني
الأخرى التي تضمنها الخطاب القرآني بالإضافة إلى أحاديث الرسول صلى الله
عليه وآله وصحبه وسلم في هذا الشأن .
وكل ذلك دروس في العقيدة تبين أن
كل نبي ورسول إنما جاء بهدف واحد لا يتغير وهو توحيد الله وإخلاص العبادة
له ..(ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) النحل
آية36، (اعبدوا الله مالكم من إله غيره ...) الأعراف آية59، فالعقيدة واحدة
لا تتغير وفي الوقت نفسه موقف الجاهلية واحد لا يتغير وهو الصد عن سبيل
الله ورفض عقيدة التوحيد ومحاربة النبي ومن معه بغية التخلص منه ومن دعوته
الخطرة على شهواتهم وأهوائهم وكيانهم وسلطانهم الذي يمارسونه في الأرض بغير
حق ويستعبدون به الناس لأنفسهم من دون الله . وتبين أخيراً المصير الحتمي
للطغاة الذين يحاربون دعوة الله إذ يدمرهم الله وينجي رسوله والذين آمنوا
معه ويمكن لهم الأرض بعد أن يملي للكافرين ثم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر، والى
جانب ذلك كان الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم من جهته يحثهم على
الثبات والصبر والتعلق بالله ويحدثهم بأخبار من كانوا قبلهم وعن صبرهم
وابتلاءاتهم (74 [74] ).
ولما نجحوا في استيعاب العقيدة ووعتها عقولهم
واستيقنتها أنفسهم وصبروا على الابتلاء أذن الله سبحانه وتعالى لرسوله صلى
الله عليه وآله وصحبه وسلم بالهجرة ليستأنف هناك تشييد البناء بعد أن تم
وضع أسسه المتينة في مكة المكرمة .
7- الامتثال العظيم والالتزام الدقيق :
الامتثال
التام والالتزام الدقيق من جانب الصحابة لدعوة الإسلام كانت ثمرة المنهج
القرآني ومنهج الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم في التربية من جهة
وتعاملهم الإيجابي مع عملية التربية من جهة أخرى .لقد استطاع المنهج
القرآني - كما أشرنا إلى ذلك سابقاً -ومبلغه الرسول صلى الله عليه وآله
وصحبه وسلم أحداث التغيير الحقيقي في أعلى صوره وفي فترة قصيرة جداً ، لأن
الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم أحسن عرض المنهج القرآني ولأن
التطبيقات العملية التي صاحبت ذلك كانت فعالة وصادقة والمتمثلة في فعله صلى
الله عليه وآله وصحبه وسلم الذي كان يسبق قوله ويعلم الناس بسلوكه ونهجه
في الحياة قبل أن ينطق لسانه.وعمل التعامل الإيجابي من جانب الصحابة على
تحقيق الهدف النهائي لمنهج القرآن ومنهج الرسول في التغيير والتربية والذي
كان الامتثال التام والالتزام الدقيق خلاصة هذا التعامل الإيجابي .
ونتيجة
لصدق هذا الامتثـال والالتزام كان لهما الأثر الواضح والعظيم في أخلاقهم
وسلوكهم فتأثرت بكلام الله عز وجل تأثراً شديداً ، فكانوا يتلقون كلام الله
عز وجل على أنه موجه إليهم شخصياً ، لا أنه موجه لغيرهم (75 [75] )،
فكانوا شديدي المراقبة لله عز وجل وكان تعلقهم بالآخرة أكثر من تعلقهم
بالدنيا ، فعظم في أعينهم نعيم الجنة وهان في نظرهم نعيم الدنيا ، وارتجفت
أفئدتهم من ذكر النار وعذابها وسهل عليهم تحمل الأذى والمخاطر في الدنيا من
أجل مرضاة الله ونصرة دينه .
وعندما كان القرآن يحدثهم عن أخلاق
وسلوكيات الإسلام كانوا يقبلون على الأخذ بها ، لأن هذا الحديث ينظرون إليه
على أنه ملزم العمل به ، وكذلك بالنسبة لأخلاق وسلوكيات الجاهلية كانوا
يبتعدون من مزاولتها والاقتراب منها لأنهم نظروا إلى الأمر الصادر في حقها
من الله أومن رسوله على أنه ملزم لهم(76 [76] ) .
وهذا يعكس أن العقيدة
قائمة في عقولهم وأفئدتهم لم تكن غائبة عن سلوكهم وأخلاقهم وإنما كانت
ملتصقة بذلك فهي التي توجه سلوكهم وأخلاقهم وسائر أعمالهم .
8- الاعتصام بحبل الله تعالى (الأخوة في الله):
لقد
كان للعقيدة التي ترسّخت في نفوس الصحابة دور كبير في تكوين الشعور لدى
صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم بأن بعضهم أولياء بعض وأنهم
عصبة واحدة هدفهم واحد ومصيرهم واحد وربهم واحد ودينهم واحد ونبيهم واحد
وكتابهم واحد . الأمر الذي أدى إلى التواد والتعاون والتآزر فيما بينهم .
وقد
كان لمنهج القرآن الكريم ومنهج الرسول العظيم صلى الله عليه وآله وصحبه
وسلم في التربية دور كبير في نضوج ذلك وتبلوره بصورة فريدة .
وتكونت
نتيجة لذلك لدى الصحابة رؤية واضحة ومحددة حول علاقتهم بربهم وعلاقتهم
بأنفسهم وعلاقتهم بأعدائهم.ولذلك استحقوا هذا الوصف العظيم من الرب العظيم
سبحانه وتعالى حيث قال: ( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار
رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضوانا سيماهم في
وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج
شطأه فآزره فأستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله
الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرةً وأجراً عظيماً ) سورة الفتح آية
29 .
انه وصف عظيم لجيل عظيم من رب عظيم إنها صورة عجيبة - كما يصف ذلك
سيد قطب (77 [77] ) - والذي يضيف قائلاً:إنها صورة عجيبة يرسمها القرآن
الكريم بأسلوبه البديع صورة مؤلفة من عدة لقطات لإبراز حالات هذه الجماعة
المختارة حالاتها المضمرة فلقطة تصور حالتهم مع الكفار ومع أنفسهم ( أشداء
على الكفار رحماء بينهم) ولقطة تصور هيأتهم في عبادتهم ( تراهم ركعاً سجداً
) ولقطة تصور قلوبهم وما يشغلها ويجيش بها ( يبتغون فضلاً من الله ورضوانه
) ولقطة تصور أثر العبادة والتوبة إلى الله في سمتهم ( سيماهم في وجوههم
من أثر السجود ) ( ذلك مثلهم في التوراة ) وهذه صفتهم فيها ولقطات متتابعة
تصورهم في الإنجيل (كزرع أخرج شطأه) (فآزره) (فأستغلظ) (فاستوى على سوقه)
(يعجب الزراع) (ليغيظ بهم الكفار) والصحابة لهم حالات شتى ولكن هذه اللقطات
تناولت الحالة الثابتة في حياتهم.وهذه الصورة العجيبة التي رسمها الله عز
وجل في هذه الآية العظيمة كانت أثرا" واضحاً من آثار استيعاب العقيدة وحسن
التلقي لها وإجلال المتلقي عنه أنها صورة رائعة حقاً ، لأن التراحم والتواد
إفراز من إفرازات العقيدة الصحيحة النقية التي تربط صاحبها بالله سبحانه
وتعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم أولاً وبإخوانه المؤمنين
ثانياً.وعدم الخضوع للكافرين الذين لا تربطهم رابطة بالله ولا برسوله صلى
الله عليه وآله وصحبه وسلم ولا بالمؤمنين وإنما يكنون لله المحادة ولرسوله
صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم وللمؤمنين .
كذلك نفى الله عز وجل أن
يكون المؤمن يواد من يحاد الله ورسوله ولو كان ذلك من أقرب الناس إليه
وأحبهم إلى قلبه قال تعالى ( لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر
يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آبائهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو
عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من
تحتها الأنهار خالدين فيها . رضى الله عنهم ورضوا عنه . أولئك حزب الله
آلا إن حزب الله هم المفلحون ) المجادلة آيه 22 . وقال تعالى ( ومن يتولى
الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون ) المائدة آيه 56 .
وهذا الولاء كان له دور كبير في الانتماء إلى عصبة المؤمنين بالله
والمنتمين إلى حزبه ، الأمر الذي أدى إلى التواد والتراحم والتعاون والتآزر
بين جيل الصحابة وتحققت بذلك الأخوة في الله والاعتصام بحبله .
ويصف
محمد قطب (78 [78] ) المحبة والمودة والتراحم الذي ساد الصحابة رضي الله
تعالى عنهم بقوله : حين تجمع الصحابة حول رسول الله صلى الله عليه وآله
وصحبه وسلم فقد تجمعوا بكيانهم كله والتحمت قلوبهم بنوع جديد من الرباط لم
يألفوه من قبل ولا وجود له في الحقيقة خارج نطاق العقيدة، ورباط العقيدة
هذا هو الذي وحد قلوب الصحابة حول الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم
حين حدث اللقاء بينهم في الله فتحابوا والتحمت قلوبهم ثم زادها التحاماً
لقاؤها في حب رسول الله فتآخت ذلك الإخاء الفريد الذي تحدث عنه القرآن
الكريم والتاريخ .
لقد كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه
وسلم يسير الاثنان منهم في الطريق فتفصل بينهما أثناء المسير شجرة فيعودان
فيسلم أحدهما على الآخر شوقاً إليه من تلك اللحظة التي فصلت بينهما في
الطريق وبكى أحد الصحابة حزناً لأنه فكر في فراق رسول الله صلى الله عليه
وآله وصحبه وسلم في الآخرة وهو لا يطيق فراقه في الدنيا(79 [79] )، فكان
الجواب من المولى عز وجل ( ومن يطع الله ورسوله فأولئك مع الذين أنعم الله
عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ) سورة
النساء آيه 69 .
وعلى أساس رباط العقيدة آخى الرسول صلى الله عليه وآله
وصحبه وسلم بين الأوس والخزرج القبيلتان اللتان كان بينهما صراع مرير
ونزاع مستمر ومن خلال العقيدة وبالعقيدة ذاب هذا الصراع وتلاشى النزاع
وتحولت العداوة إلى محبة والفرقة إلى وحدة واعتصام بحبل الله وسجل القرآن
الكريم ذلك بقوله واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين
قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا)آل عمران آيه 103 لقد استوعب جيل الصحابة
الأخوة في الله كما استوعبوا من قبل العقيدة استيعاباً حقيقياً قولاً
وعملاً من أدنى مراتب الأخوة وهي سلامة الصدر إلى أعلى مراتب الأخوة وهي
الإيثار .
وقد أوردت سورة الحشر تبياناً وافياً لذلك.فالمهاجرون من
صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم الذين أخرجوا من ديارهم
وأموالهم في مكة بسبب إيمانهم بالله ورسوله فقد فضلوا هذا الإخراج وفضلوا
أن يتحولوا من أغنياء إلى فقراء في سبيل الحصول على رضوان الله عز وجل ومن
أجل نصرة الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم وقد
كانوا في ذلك صادقين وفي الوقت نفسه كان الأنصار مصلحين لأنفسهم مترفعين عن
النقائص البشرية من غل وحسد وشح ليس سلامة الصدر كحد أدنى للأخوة في الله
فحسب وإنما إلى الإيثار كحد أعلى للأخوة في الله ولذلك كان الجزاء المناسب
لهم الفلاح الذي هو من جنس العمل(80 [80] ).قال تعالى واصفاً ذلك ( للفقراء
المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً
وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون والذين تبوئوا الدار والإيمان من
قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على
أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ) سورة
الحشر 8،9 .
لقد سجل القرآن الكريم هذه الصورة الصادقة - كما يصف ذلك
سيد قطب (81 [81] ) التي تبرز أهم الملامح المميزة للمهاجرين الذين أخرجوا
قهراً من ديارهم وأموالهم والذي جاء نتيجة الأذى والاضطهاد والتنكر من
قرابتهم وعشيرتهم في مكة ، لا لذنب إلا أن يقولوا : ربنا الله ، وقد خرجوا
تاركين ديارهم وأموالهم( يبتغون فضلاً من الله ورضوان ) اعتمادهم على الله
في فضله ورضوانه لا ملجأ لهم سواه ولا جناب لهم إلا رحماه ... وهم مع أنهم
مطاردون قليلون ( ينصرون الله ورسوله ) في قلوبهم وسيوفهم في أحرج الساعات
وأضيق الأوقات ( أولئك هم الصادقون ) صدقوا في القول والعمل .
هذه أهم
خصائص المهاجرين من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والتسليم . أما أهم خصائص
الأنصار من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم فقد وصفهم الله
سبحانه وتعالى ( والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر
إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم
خصاصة ... ) . الحشر آية (9)
إنها خصائص رائعة لم يعرف تاريخ البشرية
كله حدثاُ جماعياً كحادث استقبال الأنصار للمهاجرين بهذا الحب والتكريم
والبذل والسخاء ، وبهذه المشاركة الرضية وبهذا التسابق إلى الإيواء وتحمل
الأعباء ، حتى ليروى أنه لم ينزل مهاجر في دار أنصاري إلا بقرعة لأن عدد
الراغبين في الإيواء أكثر من المهاجرين(82 [82] ) ( ولا يجدون في صدورهم
حاجة مما أوتوا) سورة الحشر آية 9 ، وفي معركة أحد صورة أخرى من صور
الإيثار الذي مارسه صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم عملياً
فقد مر أحد الصحابة على جريح من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه
وسلم ينزف فأعطاه الماء ليشرب فقال الصحابي الجريح بل أعطه لأخي لعله أحوج
به مني وذهب يعرض عليه الماء فقال أعطه لأخي فلان لعله أحوج به مني ...
وهكذا كان كل منهم يرده إلى الأول فلما عاد إليه إذا هو قد لفظ أنفاسه فعاد
إلى الثاني فإذا جميعهم قد ذهبوا شهداء كل واحد منهم حتى لحظة الموت يؤثر
أخاه على
نفسه (83 [83] ).
وهكذا تحققت الأخوة الصادقة في الله بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم في أعلى مراتبها الإيثار قولاً وعملاً .
رابعاً : المصادر التي اعتمدت عليها التربية الإسلامية في تربية الصحابة
من
العرض السابق لطبيعة منهج القرآن الكريم ومنهج الرسول العظيم صلى الله
عليه وسلم في التربية نلحظ بأن مصدر التلقي والتكوين الروحي والعقلي
والجسدي للصحابة قد اقتصر على القرآن الكريم وسنة الرسول صلى الله عليه
وسلم .
فالنبع الذي من خلاله تلقى الصحابة رضي الله تعالى عنهم منهج
تغييرهم وتربيتهم كان محصوراً ومقصوراً على القرآن الكريم وحده حتى حديث
الرسول صلى الله عليه وسلم وهديه لم يكن إلا أثرا من آثار ذلك النبع الصافي
وهذا ما أكدته السيدة عائشة رضى الله تعالى عنها عندما سئلت عن خلق الرسول
صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم قالت ( كان خلقه القرآن )، فقد حوى القرآن
من حقائق الغيب وحقائق النفس وحقائق الحياة وحقائق الاجتماع الإنساني وبين
من سنن الله تعالى ومن آياته في الأنفس والآفاق مالا يستغني بشر عن معرفته
والاهتداء به وقد صاغ ذلك كله في أسلوب معجز(84 [84] ).
فالقرآن الكريم
يعد العامل الوحيد الذي شكل فكر وعقيدة الصحابة رضي الله عنهم والنبي صلى
الله عليه وآله وسلم كان مدركاً لأهمية وحدة المنهج وصفائه ونقائه في
التكوين والتربية وتغيير أوضاع الجاهلية ، لذلك عمل على حصر منهج التغيير
على القرآن الكريم وحده وعزل المتلقين له عن أي مؤثر غير القرآن الكريم
وخاصة في عهد التكوين والتربية وبداية عهد التغيير ، ولذلك عندما رأى
الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم في يد عمر بن الخطاب رضى الله تعالى
عنه صحيفة من التوراة نهاه عن ذلك ، وعندما كان القرآن الكريم هو النبع
الذي استقى منه جيل الصحابة والمصدر الوحيد الذي كون عقولهم وبصيرتهم وبنى
وجدانهم فقد أفرز جيلاً خالص القلب خالص العقل خالص التصور خالص الشعور
خالص التكوين من أي مؤثر غير القرآن الكريم ومن ثم كانت النوعية الفذة لذلك
الجيل الفذ وذلك الشأن العظيم في التاريخ(85 [85] ) .
نتائج البحث :
توصل البحث إلى النتائج الآتية :
1-
العوامل التي وقفت خلف نجاح التربية الإسلامية تتمثل في طبيعة منهج القرآن
الكريم ، ومنهج الرسول صلى الله عليه وسلم في التربية ، وتعامل الصحابة
الإيجابي مع منهج القرآن الكريم ومنهج الرسول صلى الله عليه وسلم في
التربية .
2- من سمات عظمة منهج القرآن الكريم في التربية أنه كان
يختار الزمان والمكان والحدث والبيئة المناسبة لإحداث التغيير بالإضافة إلى
ظروف وأحوال الفرد والجماعة محل التغيير والتربية .
3- قامت التربية
والتغيير التي تبناها منهج القرآن الكريم ومنهج الرسول صلى الله عليه وسلم
وفق خطوات محكمة ومتدرجة . فقد كانت أول خطوة خطاها القرآن الكريم ومنهج
الرسول صلى الله عليه وسلم في التربية تتمثل في زعزعة عقيدة الشرك ، وكانت
الخطوة الثاني تتمثل في غرس عقيدة التوحيد لتحل محل عقيدة الشرك ، وكانت
وسائل هذا المنهج كثيرة ومتنوعة والتي منها ضرب الأمثال ولفت الأنظار إلى
بطلان الشرك وبطلان تعدد الآلهة وكذا ضرب الأمثال ولفت الأنظار الهادفة إلى
بيان واثبات حقيقة عقيدة التوحيد .
وبعد هدم عقيدة الشرك وإقامة على
إثرها عقيدة التوحيد كانت الخطوة الثالثة التي تلتها هي هدم سلوكيات
وأخلاقيات عقيدة الشرك وإقامة على إثرها سلوكيات وأخلاقيات عقيدة التوحيد .
4-
لم يقتصر الرسول صلى الله عليه وسلم في التربية على داء بعينه بل عمل على
إحداث التغيير في جميع مجالات الحياة وعمل على استئصال كل الأمراض والأدواء
التي كانت تعاني منها التربية في ذلك الحين وبذلك أتى الرسول صلى الله
عليه وسلم التربية والتغيير من الباب الواسع ، وكان سبيله في ذلك قائم على
العقيدة الخالصة الصحيحة ورفض كل شئ يفسد ويعكر من صفائها لأن الدخول في
تفاصيل الإسلام تقتضي في البداية الاعتراف بحقيقة لا إله إلا الله ورفض ما
يخالفها أو يناقضها والخضوع لله والاستسلام له قبل الحديث عن الأوامر
والنواهي والتحليل والتحريم .
5- كانت أداة الرسول صلى الله عليه وأله وصحبه وسلم في التربية والتغيير أداة تربوية ممثلة في عدة جوانب كان في مقدمتها :
أ) الحكمة والموعظة الحسنة القائمة على الترغيب والترهيب .
ب) القدوة الحسنة .
ج) البيئة الصالحة .
6-
إن منهج القرآن الكريم ومنهج الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم في
التربية والتغيير أحدثا تغييراً حقيقياً في أعلى صوره في فترة قصيرة
وبإمكانات مادية متواضعة، لأن الرسول صلى الله علية وعلى اله وسلم أحسن عرض
المنهج القرآني، ولأن فعله كان يسبق قوله ، ويعلم الناس بسلوكه ونهجه في
الحياة قبل أن ينطق لسانه.
7 – مصدر التربية الإسلامية في تربية الصحابة اقتصر على القرآن الكريم وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم بعيداً عن أي مؤثر آخر .
8
– استطاع الصحابة بفعل منهج القرآن الكريم ومنهج الرسول الكريم صلى الله
عليه وسلم وتفاعلهم الإيجابي مع خطابهما أن يقيموا في واقعهم التربية
الإسلامية قولاً وعملاً واصبحوا لذلك أمة إيجابية يتطابق قولها مع فعلها
تقيم الفضيلة من خلال أمرها بالمعروف وتزيل الرذيلة من خلال نهيها عن
المنكر
وبذلك استطاعت التربية الإسلامية في عهدها الأول أن تربي جيلاً فريداً وصفه ربه بأنه خير أمة أخرجت للناس .
التوصيات :
من
خلال النتائج التي توصل إليها البحث وجد بأن عوامل نجاح التربية الإسلامية
في تربية جيل الصحابة يرجع إلى طبيعة منهج القرآن الكريم ومنهج الرسول صلى
الله عليه وسلم في التربية وتعامل الصحابة الإيجابي مع منهج القرآن الكريم
ومنهج الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في التربية ، واقتصار التربية
الإسلامية على القران الكريم والسنة المطهرة في تربية الصحابة بعيدا عن أي
مؤثر آخر .
وحتى يكتب للتربية الإسلامية النجاح مرة أخرى يوصي الباحث
بضرورة العمل بعوامل نجاح التربية الإسلامية التي وقفت خلف تربية جيل
الصحابة ، وذلك من خلال الآتي :
إنشاء إدارة ضمن الهيكل التنظيمي
لوزارات التربية والتعليم في العالم الإسلامي تتولى وضع البرامج والأنشطة
التربوية المختلفة وفقاً لمنهج التربية الإسلامية (منهج القرآن الكريم
ومنهج الرسول صلى الله عليه وسلم في التربية) الذي تم الحديث عنه في هذا
البحث .
يتم فتح قسم للتربية الإسلامية في كليات التربية في العالم
الإسلامي يكون من بين مهامه ( إلى جانب تدريس التربية الإسلامية وإجراء
البحوث ذات الصلة بميدان التربية الإسلامية ) وضع البرامج والأنشطة
التربوية وفقاً لمنهج التربية الإسلامية .
إنشاء إدارة للتربية
الإسلامية ضمن الهيكل التنظيمي لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون في العالم
الإسلامي تتولى إعداد البرامج والمسلسلات واللقاءات التربوية، وفقاً لمنهج
التربية الإسلامية .
يتم فتح إدارة للتربية الإسلامية ضمن الهيكل
التنظيمي لوزارات الأوقاف والإرشاد في العالم الإسلامي يكون من بين مهامها
وضع البرامج والأنشطة التربوية المختلفة، وفقاً لمنهج التربية الإسلامية .
على أن يتم تنفيذ ذلك من خلال المؤسسات التربوية التي تقع تحت إشرافها وفي مقدمتها المساجد .
إنشاء
إدارة للتربية الإسلامية ضمن الهيكل التنظيمي لوزارات الشباب والرياضة في
العالم الإسلامي تتولى وضع البرامج والأنشطة التربوية وفقاً لمنهج التربية
الإسلامية، على أن يتم تنفيذها من خلال الأندية التابعة لوزارات الشباب
والرياضة في العالم الإسلامي ومن خلال المخيمات الشبابية التي تقيمها .
هذا
على المستوى الرسمي أما على المستوى الشعبي فإن الباحث يقترح تأسيس جمعية
للتربية الإسلامية في كل قطر من أقطار العالم الإسلامي يكون من مهامها
الأساسية تربية أفراد المجتمع وفقاً لمنهج التربية الإسلامية ، وذلك من
خلال فتح المدارس والنوادي وإقامة المخيمات الشبابية وإلقاء المحاضرات وعقد
الندوات وتنظيم الرحلات وغيرها من الأنشطة التربوية المختلفة في حدود
إمكانات الجمعية المادية والبشرية .
المراجع ..
1. أبو الحسن الندوي
: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين – الطبعة السادسة مكتبة الدعوة
الإسلامية بالأزهر – مصر، 1385- 1965 ، ص78-79.
2. إسحاق الفرحان : التربية الإسلامية بين الأصالة والمعاصرة – ط1 ، دار الفرقان للنشر والتوزيع ، عمان ، 1982.
3. الإمام النووي : رياض الصالحين – تخريج محمد ناصر الألباني، المكتب الإسلامي ، ط1، عمان 1412 ، ص191،192.
4. سيد قطب : في ظلال القرآن ، الطبعة الشرعية التاسعة ، دار الشروق ، بيروت، 1402 ، ج6، ص3800-3801.
5. سيد قطب : معالم في الطريق ، الطبعة الشرعية التاسعة ، دار الشروق ، بيروت ، 1400 ، ص14.
6.
سيف الإسلام علي مطر : التربية الإسلامية والتغير الاجتماعي – دراسات
تربوية – سلسلة أبحاث تصدرها رابطة التربية الحديثة ، المجلد 9، ج59،
القاهرة ، 1993.
7. عبد الرحمن النحلاوي : أصول التربية الإسلامية – الطبعة الأولى – دار الفكر – دمشق ، 1399- ص21،22.
8. عبد الفتاح عاشور : منهج القرآن في تربية المجتمع – الطبعة الأولى ، مكتبة الخانجي بمصر 1399 – 1979 ، ص 91.
9.
علي خليل مصطفى أبو العينين : التربية الإسلامية والتنمية ، مكتب التربية
العربي لدول الخليج العربي– مجلة رسالة الخليج العربي –، العدد22، السنة
السابعة ، الرياض، 1407.
10. محسن عبد الحميد : المذهبية الإسلامية
والتغيير الحضاري – كتاب الأمة رقم 6 ، مؤسسة الرسالة – الطبعة الثانية –
بيروت – رجب 1405- نيسان 1985، ص63-64.
11. محمد الغزالي : كيف نتعامل
مع القرآن الكريم – في دراسة أجراها عمر عبيد حسنة –سلسلة قضايا الفكر
الإسلامي – يصدرها المعهد العالمي للفكر الإسلامي، الطبعة الأولى ، دار
الوفاء – المنصورة مصر 1412- 1981 ،ص94.
12. عماد الدين خليل : دراسة في السيرة -دار النفائس - بيروت – 1397، ص 88،90.
13. محمد قطب : منهج التربية الإسلامية ، ط3- دار الشروق - بيروت، 1400، ج2 ، ص51.
14. محمد قطب : واقعنا المعاصر ، ط2، مؤسسة المدينة للصحافة ، جدة 1408، ص35.
15. محي الدين النووي: رياض الصالحين، دار الفكر، بيروت، بدون تاريخ، ص99-100.
16. يوسف القرضاوي: ثقافة الداعية-ط6، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1403-1983، ص10.
--------------------------------------------------------------------------------
(1) سيد قطب : معالم في الطريق ، الطبعة الشرعية التاسعة ، دار الشروق ، بيروت ، 1400هـ ، ص14.
(
[2] ) سيف الإسلام علي مطر: التربية الإسلامية والتغير الاجتماعي – دراسات
تربوية – سلسلة أبحاث تصدرها رابطة التربية الحديثة ، المجلد 9، ج59،
القاهرة، 1993م.
( [3] ) علي خليل مصطفى أبو العينين : التربية
الإسلامية والتنمية ، مكتب التربية العربي لدول الخليج العربي– مجلة رسالة
الخليج العربي –، العدد22، السنة السابعة ، الرياض ، 1407هـ .
( [4] ) إسحاق الفرحان: التربية الإسلامية بين الأصالة والمعاصرة – ط1، دار الفرقان للنشر والتوزيع، عمان، 1982م.
( [5] ) محمد قطب : منهج التربية الإسلامية ، ط3- دار الشروق - بيروت ، 1400هـ ، ج2 ، ص51.
( [6] ) سيد قطب : في ظلال القرآن ، الطبعة الشرعية التاسعة ، دار الشروق ، بيروت ، 1402هـ ، ج6، ص3800-3801.
( [7] )محمد قطب : منهج التربية الإسلامية ، مرجع سابق ، ص51.
( [8] ) المرجع نفسه ، ص56.
( [9] )محمد قطب : منهج التربية الإسلامية ، مرجع سابق ، ص29.
( [10] ) عبد الفتاح عاشور : منهج القرآن في تربية المجتمع – الطبعة الأولى ، مكتبة الخانجي بمصر 1399هـ – 1979م ، ص 91.
( [11] ) سيد قطب : معالم في الطريق –مرجع سابق ، ص42.
( [12] ) المرجع نفسه ، ص42،43.
( [13] )سيد قطب : معالم في الطريق – مرجع سابق ، ص42.
( [14] ) عبد الفتاح عاشور : منهج القرآن في تربية المجتمع – مرجع سابق ،ص42.
( [15] ) عبد الرحمن النحلاوي : أصول التربية الإسلامية – الطبعة الأولى – دار الفكر – دمشق ، 1399هـ-ص21،22.
( [16] ) سيد قطب : معالم في الطريق – مرجع سابق ، ص19.
( [17] ) عبد الرحمن النحلاوي : أصول التربية الإسلامية – مرجع سابق ،ص256.
( [18] ) عبد الفتاح عاشور : منهج القرآن في تربية المجتمع – مرجع سابق ، ص283.
(
[19] ) محمد الغزالي : كيف نتعامل مع القرآن الكريم – في دراسة أجراها عمر
عبيد حسنة –سلسلة قضايا الفكر الإسلامي – يصدرها المعهد العالمي للفكر
الإسلامي ، الطبعة الأولى ، دار الوفاء – المنصورة مصر 1412هـ- 1981م ،ص94.
( [20] ) سيد قطب : معالم في الطريق – مرجع سابق ، ص24.
( [21] ) محمد قطب : منهج التربية الإسلامية – مرجع سابق ، ص30.
( [22] )محمد قطب : منهج التربية الإسلامية – مرجع سابق ، ص30.
( [23] ) المرجع نفسه ، ص30.
( [24] ) المرجع نفسه ، ص30.
(
[25] ) أبو الحسن الندوي : ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين – الطبعة
السادسة مكتبة الدعوة الإسلامية بالأزهر – مصر، 1385هـ-1965م ، ص78-79.
( [26] ) المرجع نفسه ،ص 78.
( [27] ) المرجع نفسه – ص 108-111.
( [28] ) أبو الحسن الندوي : ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين – مرجع سابق ،ص88.
(
[29] ) محسن عبد الحميد : المذهبية الإسلامية والتغيير الحضاري – كتاب
الأمة رقم 6 ، مؤسسة الرسالة – الطبعة الثانية – بيروت – رجب 1405هـ- نيسان
1985م، ص63-64.
( [30] ) المرجع نفسه – ص64.
( [31] )محسن عبد الحميد : المذهبية الإسلامية والتغيير الحضاري –مرجع سابق ، ص64.
( [32] ) محمد قطب : منهج التربية الإسلامية – مرجع سابق ، ص 75.
( [33] )محمد قطب : منهج التربية الإسلامية – مرجع سابق ، ص58.
( [34] ) أبو الحسن الندوي : ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين – مرجع سابق ، ص 81،82،83.
( [35] ) المرجع نفسه ، ص 83.
( [36] ) عبد الرحمن النحلاوي : أصول التربية الإسلامية -مرجع سابق ، ص 22.
( [37] ) المرجع نفسه ، ص 24.
( [38] ) المرجع نفسه ، ص228.
( [39] )عبد الرحمن النحلاوي - أصول التربية الإسلامية - مرجع سابق ، ص229.
( [40] )عبد الرحمن النحلاوي - أصول التربية الإسلامية - مرجع سابق ، ص 231.
( [41] ) عبد الفتاح عاشور : منهج القرآن في تربية المجتمع – مرجع سابق ، ص 266.
( [42] ) أبو الحسن الندوي : ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين – مرجع سابق ، ص 95.
(
[43] ) محمد قطب : منهج التربية الإسلامية – مرجع سابق ،ج2، ص41. ، عبد
الفتاح عاشور: منهج القرآن في تربية المجتمع – مرجع سابق ،ص 266 وما بعدها ،
عماد الدين خليل : دراسة في السيرة -دار النفائس - بيروت – 1397هـ،ص
88،90.
( [44] ) عماد الدين خليل : دراسة في السيرة – مرجع سابق ، ص 130،133.
( [45] )عماد الدين خليل : دراسة في السيرة – مرجع سابق ، ص 130،132.
( [46] ) محمد الغزالي : فقه السيرة ، مرجع سابق ، ص158،159.
( [47] ) محمد قطب : منهج التربية الإسلامية – مرجع سابق ، ج2، ص69.
( [48] )محمد قطب : منهج التربية الإسلامية – مرجع سابق ، ج2، ص69.
( [49] ) محمد الغزالي: فقه السيرة – مرجع سابق ، ص192.
( [50] ) المرجع نفسه ، ص189- 190.
( [51] ) عبد الفتاح عاشور : منهج القرآن في تربية المجتمع – مرجع سابق ، ص312.
( [52] ) محي الدين النووي : رياض الصالحين ، دار الفكر ، بيروت ، بدون تاريخ ، ص99-100.
( [53] ) محمد الغزالي : فقه السيرة ، مرجع سابق ، ص195 ، 197.
( [54] ) محمد قطب : منهج التربية الإسلامية ، مرجع سابق ، ج2، ص70.
( [55] ) سيد قطب : معالم في الطريق ، مرجع سابق ، ص14.
( [56] )سيد قطب : معالم في الطريق - مرجع سابق، ص 18.
( [57] ) المرجع نفسه – ص15.
( [58] ) عبد الفتاح عاشور : منهج القرآن في تربية المجتمع – مرجع سابق ،ص 161،163.
( [59] ) محمد الغزالي : كيف نتعامل مع القرآن الكريم – مرجع سابق ، ص 148.
( [60] ) المرجع نفسه ، ص148.
( [61] ) محمد قطب : منهج التربية الإسلامية ، مرجع سابق – ج2، ص19.
( [62] ) سيد قطب : معالم في الطريق ، مرجع سابق ، 19-20.
( [63] )المرجع نفسه ، ص20.
( [64] )محمد قطب : منهج التربية الإسلامية ، مرجع سابق – ج2، ص32.
( [65] )المرجع نفسه ، ص33.
( [66] )المرجع نفسه ، ص33.
( [67] )محمد قطب : منهج التربية الإسلامية ، مرجع سابق – ج2، ص34.
( [68] ) الإمام النووي : رياض الصالحين – تخريج محمد ناصر الألباني، المكتب الإسلامي ، ط1، عمان 1412هـ ، ص191،192.
( [69] )محمد قطب : منهج التربية الإسلامية ، مرجع سابق – ج2، ص41-42.
( [70] )أبو الحسن الندوي : ماذا خسر العالم الإسلامي بانحطاط المسلمين – مرجع سابق ، ص105.
( [71] ) المرجع نفسه ، ص102.
( [72] ) عبد الرحمن النحلاوي : أصول التربية الإسلامية – مرجع سابق ، ص76.
( [73] )عبد الرحمن النحلاوي : أصول التربية الإسلامية – مرجع سابق، ص77.
(
[74] )عبد الرحمن النحلاوي : أصول التربية الإسلامية – مرجع سابق ، ص77،
محمد قطب : منهج التربية الإسلامية ، مرجع سابق ، ج2، ص68.
( [75] ) محمد قطب : منهج التربية الإسلامية – مرجع سابق ، ص67-68.
( [76] )المرجع نفسه ، ص74، 76.
( [77] )سيد قطب : في ظلال القرآن الكريم ، مرجع سابق ، المجلد السادس ، 3331.
( [78] ) محمد قطب : واقعنا المعاصر ، ط2، مؤسسة المدينة للصحافة ، جدة 1408هـ، ص35.
( [79] ) أبو الحسن الندوي : ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ، مرجع سابق ، ص106 .
( [80] ) سيد قطب : في ظلال القرآن الكريم ، مرجع سابق ، مج 6، ص3525.
( [81] )المرجع نفسه ، ص3526.
( [82] )سيد قطب : في ظلال القرآن الكريم ، مرجع سابق ، ص3526، 3525، 3526.
( [83] )محمد قطب : واقعنا المعاصر ، مرجع سابق ، ص80 .
( [84] ) يوسف القرضاوي : ثقافة الداعية – ط6 ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، 1403هـ – 1983م، ص10.
( [85] ) سيد قطب : معالم في الطريق – مرجع سابق ،ص17.
الاستاذالثلاثاء 26 أبريل 2011, 11:20 pm