مدرس اون لايندخول

ننشر..... الواقع المأساوى للتعليم وآليات الخروج من النفق المظلم

ننشر..... الواقع المأساوى للتعليم وآليات الخروج من النفق المظلم Modars1.com-n181
تمر مصر الآن بمنعطف خطير يهدد مستقبلها الحضارى والسياسى والاقتصادى نظرا للانهيار المستمر فى منظومة التعليم بها، والتعليم ما هو إلا انعكاس للوضع السياسى والاجتماعى لاية أمة وهذا يفسر سبب الفساد المالى والادارى والخلقى فى الكثير من نواحى الحياة بمصر . فما هى أسباب هذا الانهيار ؟

المنظومة التعليمية يمكن تشبيهها بالبناء المعمارى الذى تتوقف سلامته على متانة أساساته وأى عبث فى أساسه يعرض البناء كله للانهيار، وهو ما حدث فعلا فى منظومة التعليم المصرى ويمكن تلخيص ذلك فى النقاط التالية:

1- اختفاء المدرسة الابتدائية أساس التعليم العام فى مصر : كان يوجد بمصر خلال النصف الأول من القرن العشرين مساران لتعليم النشء, المسار الاول يتمثل فى المدرسة الابتدائية التى أنشأها محمد على فى ثلاثينيات القرن التاسع عشر والتى كانت اساس التعليم العام بمصر بمستواها المتميز ومسارها المفتوح أمام التلاميذ لاستكمال مسيرتهم التعليمية للالتحاق بالتعليم الثانوى ثم العالى . وكانت أعدادها محدودة. والمسار الثانى المتمثل فى المدرسة الأولية المنتشرة فى معظم قرى مصر ومدنها والتى أنشئت بهدف محو أمية المصريين وبالتالى فمستواها من حيث المنهج والمدرس ادني من المدرسة الابتدائية، ولا تتيح للتلاميذ استكمال مسيرتهم التعليمية فوصف بأنه مسار مغلق. وقد جرت محاولات لتوحيد المسارين وجعله فى مستوى التعليم الابتدائي، ولكنها فشلت للعجز الحاد فى إعداد المدرسين المؤهلين علميا وتربويا المطلوبين لكى تتحول آلاف المدارس الأولية إلى ابتدائية، فاتجهوا الى تطوير التعليم الأولى ولكن بقى هناك مساران وفى عام 1953 صدر قانون 210 لسنة 53 الذى استهدف إنهاء الازدواجية فى التعليم الأولى وإيجاد مدرسة قومية إلزامية واحدة تقبل جميع ابناء مصر من سن 6- 12 سنة وذلك بتوحيد مسار التعليم الأولى والابتدائي

2- إقحام طرق تعليم مستجلبة من الخارج فى التعليم المصرى : لم يتوقف العبث لأساس المنظومة التعليمية عند إلغاء المدرسة الابتدائية بل امتد ليشمل طرق التدريس فاستبدلوا الطريقة الجزئية التى تعلم بها كل ابناء مصر بطريقة اخرى استجلبت من أمريكا عرفت بالطريقة الكلية ( طريقة شرشر) وفرضت على مدرسى المدارس الابتدائية (الأولية) الذين كانوا يجهلونها لأنها دخيلة على فكرهم وثقافتهم، ولم يدربوا عليها ففشلوا فى تعليم الأطفال القراءة والكتابة بها . وتواكب مع ذلك تطبيق أسلوب النقل الآلى ونتيجة لذلك كان التلميذ يحصل على شهادة إتمام الدراسة الابتدائية، وهو لا يستطيع كتابة اسمه. وكان من البديهى أن التلاميذ الذين يريدون استكمال مسيراتهم التعليمية عليهم أن يجتازوا امتحان قبول الأعداد وهم لم يتلقوا اى تعليم بالمدرسة فكان عليهم ان يلجأوا للدروس الخصوصية، وبذلك ظهرت ظاهرة الدروس الخصوصية فى القرى التى لم تكن تعرفها من قبل, وكانت هذه نقطة انطلاق الدروس الخصوصية لتشمل المرحلة الإعدادية والثانوية، وأصبحت الدروس الخصوصية مرضا اجتماعيا لم يستطع احد حتى الآن علاجه.

3- ازدحام الفصول بالتلاميذ وبروز ظاهرة مراكز الدروس الخصوصية : فى عام 1981 صدر قانون بمد الإلزام الى تسع سنوات بدلا من ست سنوات ليشمل المرحلة الابتدائية والإعدادية وأطلقوا عليها اسم مرحلة التعليم الاساسى واعتبروا ذلك تطويرا للتعليم ولم يدركوا أن المدارس لم تتحمل متطلبات الإلزام للمرحلة الابتدائية، حيث ازدحمت الفصول بالتلاميذ ليضيفوا عبئا آخر لمد الإلزام تسع سنوات دون اى حديث عن بناء فصول جديدة تستوعب التلاميذ بحيث لا يزيد عددهم على 35 تلميذا فى الفصل الواحد حتى يكون هناك تعليم حقيقى ونتيجة لهذه العشوائية زاد ازدحام الفصول حتى وصل إلى حوالى 100 تلميذ فى الفصل أو يزيد . والحل الذى ارتآه المسئولون لحل هذه المشكلة هو اللجوء الى نظام مقيت وهو نظام الفترات حيث يمضى التلاميذ سويعات قليلة ثم يحل محلهم آخرون، فهل يعقل ان يكون هناك تعليم او تربية فى تلك المدارس .وبذلك ضرب التعليم الاساسى فى م*** لتأتى مصر فى المرتبة الأخيرة فى جودة التعليم الاساسى على مستوى العالم، ونتيجة لفشل المدرسة الوطنية فى تعليم الطلاب واحتوائهم فقد هجروها الى الدروس الخصوصية التى انتشرت فى جميع أنحاء مصر، وأصبح لها أماكن خاصة تعرف باسم مراكز الدروس الخصوصية (السناتر) التى اتبعت طرقا شاذة فى التعليم تعتمد أساسا على ملكة الحفظ والاسترجاع حيث قاموا بتحويل معظم المقررات إلى أسئلة واجوبة يحفظها الطلاب عن ظهر قلب للخروج من النفق المظلم الذى سقط فيه التعليم فى مصر

نقترح التالي:

1- إيجاد مشروع قومى لبناء المدارس: إننا إذا أردنا تعليما حقيقيا لأبنائنا الطلاب فيجب أن نضع نصب أعيننا قومية التعليم لذا يجب أن تكون المدرسة الوطنية التى تتحمل مسئولية تعليم كل أبناء الشعب دون تفرقة طبقية جيدة المستوى ولا تقل جودة عن المدارس الأجنبية والخاصة التى هى عماد التعليم العام فى مصر الآن ــ بعد انهيار المدرسة الوطنية ــ فلا يجب أن نضع كل اهتمامنا بالمدارس ذات الطبيعة الخاصة مثل المدارس التجريبية ومدارس المتفوقين وغيرها من المدارس التى يتحدث عنها البعض ويقال أن مستواها لا يقل عن المدارس الأجنبية والخاصة ونهمل آلاف المدارس المنتشرة فى القرى والمدن، وبذلك نكون قد انحرفنا عن قومية التعليم كما هو حادث الآن . فيجب ان تكون المدارس الوطنية المعدة لتعليم كل أبناء الشعب على اعلى مستوى من حيث المدرس والمنهج والبنية الأساسية والوسائل التعليمية الحديثة كما يجب ان يعود اليها كل الأنشطة الطلابية الضرورية لبناء شخصية الشاب المصرى. فالمدرسة يجب ان تحتوى على فصول حقيقية وليست مخازن للتلاميذ بحيث لا يزيد عدد الطلاب لكل فصل على 35 تلميذا حتى يكون هناك تعليم حقيقى من وجوب العناية بالتلاميذ فردا فردا وتتبعهم واحدا واحدا فيما يتلقونه من دروس وما يعدون من واجبات منزلية، وهو ما ينادى به خبراء التربية والتعليم, كما يجب ان تحتوى المدرسة على معامل ومدرجات . فكم من هذه المدارس تحتاج المنظومة التعليمية، فهناك إحصاءات تقول أننا فى حاجة الى حوالى 50 الف مدرسة حقيقية بالإضافة الى ما هو موجود من مدارس تحتاج الى تطوير. وهذا رقم كبير لا تستطيع ميزانية الدولة ان تحققه، ولذلك فيجب على المجتمع بجميع فئاته ان يشارك فى تمويل هذا المشروع الحضارى

على المجتمع ان يدرك انه كان احد المعاول التى هدمت التعليم فى مصر وذلك بالغش الجماعى الذى انتشر فى المنظومة التعليمية وتفاصيل ذلك مخزية وقد استمرأ أولياء الأمور شراء الشهادات لأبنائهم وتفاصيل ذلك معروفة للقاصى والداني، ولم يسع المجتمع للمعرفة كأساس لمجتمع الرفاهية التى يسعى اليها كل إنسان، وبذلك كان المجتمع عاملا فاعلا فى هدم المنظومة التعليمية وعليه ألان أن يتحمل مسئولية إصلاحها بالمشاركة مع الدولة.

فعلى وزارة التربية والتعليم ان تتبنى مشروعا قوميا قائما على احصاءات للسكان فى المناطق المختلفة يشارك فيه بعض الوزارات ذات الصلة لتحديد الأماكن التى تحتاج لبناء مدارس بها من خلال خريطة يحدد عليها أماكن المدارس وحجمها تبعا للكثافة السكانية لهذه المناطق مع الوضع فى الاعتبار الزيادة السكانية المتوقعة فى هذه الأماكن بحيث لا يزيد عدد التلاميذ فى الفصل الواحد على 35 تلميذا كحد أقصى . وعلى الدولة أن توفر الاعتمادات اللازمة لتنفيذ هذا المشروع القومى.

2- إعداد واختيار المدرس : ونحن نتحدث عن إعداد المعلم الذى هو حجر الزاوية والعمود الفقرى فى المنظومة التعليمية وعلى قدر مستواه العلمى والتربوى والخلقى يكون نجاح العملية التعليمية فمدرس التعليم العام يجب أن يكون قادرا ليس فقط على تنفيذ المناهج التعليمية تنفيذا متقنا بل ايضا يكون قادرا على ان يهيئ التلاميذ ليكونوا أعضاء صالحين فى المجتمع، وان يبث فى نفوسهم العزة والكرامة وحب الوطن . وقد وجدت هذه المواصفات فى معلم التعليم العام ابتدائي ــ وثانوى فى النصف الأول من القرن العشرين وذلك قد يجيب على السؤال المحير لماذا كان التعليم فى النصف الأول من القرن العشرين، أفضل منه فى النصف الثانى حيث كان مدرس التعليم الابتدائى من خريجى كليات جامعية متخصصة ( دار العلوم ــ العلوم ــ الاداب ...... الخ) ثم يؤهل تربويا فى المعهد العالى للمعلمين بالمنيرة، ثم يعين فى المدرسة الابتدائية ثم بعد فترة وبناء على تقارير التفتيش ونظار المدارس يرقى الى التعليم الثانوي، وكان هذا النظام يطلق عليه النظام التتابعى لإعداد المعلمين، وفى الستينيات من القرن الماضى بدأت الجامعات بالتوسع فى إنشاء كليات التربية بعد ان تحولت كلية المعلمين العليا الى كلية تربية تابعة لجامعة عين شمس وذلك لتخريج مدرسين لمرحلة الاعدادى والثانوى وتناسوا المرحلة الابتدائية، حيث تركت لمعلمى المدارس الأولية الذين كانوا بها من قبل ان يكتب على بابها يافطة المدارس الابتدائية

والحل الذى نراه صائبا هو أن نعود للنظام القديم ( النظام التتابعى) فى إعداد معلم التعليم العام وذلك بان تقوم وزارة التربية والتعليم بالاعلان عن تعيين مدرسين من الحاصلين على بكالوريوس أو ليسانس الكليات المتخصصة ( آداب ـ علوم ـ دار العلوم وغيرها ) ويتم اختبار المتقدمين خلقيا وبدنيا ونفسيا كما يحدث فى الكليات العسكرية لأننا سوف نجلعهم أمناء على فلذات أكبادنا ليس علميا فقط بل لجعلهم أعضاء صالحين فى المجتمع وأن يبث فى نفوسهم العزة والكرامة وحب الوطن . ومن يتم اختيارهم يلحقون بكليات التربية لتأهيلهم تربويا، ونرى أن يعاد النظر فى مهام كلية التربية التى نرى ضرورة أن تتخلى عن تأهيل المدرسين علميا وأن تركز على تأهيلهم تربويا وبذا تكلف كلية التربية بمهمتين أساسيتين : الأولى التأهيل التربوى للمدرسين خريجى الكليات المتخصصة أما المهمة الثانية وهى لا تقل خطورة عن الأولى وهى إعداد مدرسى رياض الأطفال لتعليم الأطفال من سن 4 سنوات إلى 6 سنوات قبل إلحاقهم بالمدرسة الابتدائية

3ـ الثانوية العامة نهاية مرحلة وليست امتحان مسابقة : المقترحان ــ بناء المدارس وإعداد المعلم ــ اللذان نقترحهما لإصلاح التعليم ووقف تدهوره يحتاج تنفيذهما وقتا وجهدا ويعتبران حلا طويل الأمد نسبيا . ولكننا فى حاجة لحل سريع للقضاء على ظاهرة مراكز الدروس الخصوصية (السناتر) والتى أسهبنا فى شرح أسباب ظهورها وتأثيرها المدمر للتعليم ولشباب مصر، ويمكن تلخيص ذلك فى رغبة أولياء الأمور والطلاب فى الحصول على أعلى الدرجات فى امتحان الثانوية العامة الذى يعتبره الجميع مجرد امتحان مسابقة للالتحاق بالجامعة وهو كذلك فعلا، من هنا تكالب الطلاب على المراكز الخصوصية وهجرهم المدرسة . حيث أصبحت الشهادة الجامعية مجرد غاية للوجاهة الاجتماعية. والحل الذى نراه للتغلب على هذه المأساة هو ان تصبح شهادة الثانوية العامة نهاية مرحلة وليست امتحان مسابقة للالتحاق بالجامعة مع ما يستتبع ذلك من إعادة النظر فى برامج المدرسة الثانوية لتعد الطلاب للعمل ولا يكونون عالة على المجتمع . ويكون للجامعة دور ورؤية فى نوعية وعدد الطلاب الذين يلتحقون بها من الحاصلين على شهادة الثانوية العامة على ألا يكون مجموع الدرجات عاملا محددا فى ذلك . ولتحقيق ذلك يكون هناك امتحان قبول للجامعة يقوم بالإعداد له والإشراف عليه المجلس الأعلى للجامعات بقطاعاته العلمية المختلفة أسوة بما يحدث فى جامعات العالم المتقدم.

وبإلغاء الثانوية العامة كامتحان مسابقة للالتحاق بالجامعة نكون قد قضينا على السبب الرئيسى الذى من أجله أنشئت مراكز الدروس الخصوصية، وبالتالى ننهى هذه الظاهرة التى دمرت التعليم المصري، وبذلك نكون قد أدينا خدمة عظيمة للتعليم فى مصر . ولتكن هذه الخطوة الجريئة أولى خطوات طريق إصلاح التعليم، وأننا نرى ان فشل كل محاولات تطوير التعليم أو حتى إيقاف تدهوره خلال الفترة السابقة يرجع إلى أن التطوير كان يتم فى منظومة متدهورة تحتاج للإصلاح قبل التطوير . فلا مندوحة فى تطوير مبنى متهالك قبل إصلاحه... فعلينا إصلاح التعليم أولا بكل مفرداته حتى يجدى تطويره.
د/ أحمد دويدار بسيونى

14/1/2016
remove_circleمواضيع مماثلة
لا يوجد حالياً أي تعليق
privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى