مدرس اون لايندخول

تطوير التعليم ليس مستحيلًا "ملف شامل"

تطوير التعليم ليس مستحيلًا "ملف شامل" 2015-635840874918860216-886
المقدمات تؤدى دائما إلى النتائج كما يقولون!!.. ومن ثم لم تكن مفاجأة للخبراء والمتخصصين وحتى لأولياء الأمور أنفسهم ،

أن يخرج علينا تقرير»التنافسية العالمية»(GCI) لعام 2015، الصادر عن المنتدى الاقتصادى العالمي، ليؤكد أن مصر جاءت فى المركز «قبل الأخير» فى جودة التعليم، من إجمالى 140 دولة على مستوى العالم، حظيت فيها نيوزيلندا بالمرتبة الأولي، بينما جاءت دولتان عربيتان ، وهما قطر فى ( المركز الرابع)، والإمارات العربية الشقيقة فى (المركز العاشر)، فى وقت تأتى فيه مصر فى المراتب الدنيا، حيث سبق أن حصلت على المركز رقم 144 والأخير فى جودة الإدارة المدرسية، والمركز 141 فى جودة التعليم الأساسي، وفقا لتقرير التنافسية العالمية فى العام الماضى !!

يعلم الجميع بمن فيهم الوزير الحالى أو من سبقوه، مساوئ وسلبيات نظام التعليم المصري، وإذا كنا جادين فى الإصلاح ، فعلينا أن نجعل من التعليم مشروع مصر القومي، عبر استراتيجية محددة، واضحة الأهداف، والآليات، والمهام، لا تتغير بتعيين وزير جديد، أورحيل آخر عن الوزارة، على أن تصطف جميع وزارات الدولة حولها، وأن تراقب تنفيذها بكل صرامة وجدية، فالتعليم هم قاطرة التنمية ، وما كان لدول كثيرة ومن بينها ماليزيا أن تحقق نهضتها العلمية والصناعية إلا من خلاله، وإذا أحسنت مصر إدارة هذا الملف، فإنها ستمضى حتما - نحو الطريق الصحيح فى النهضة، والتنمية، فى شتى مجالاتها.

فى مصر يأتى وزير، ويرحل آخر، وتظل العملية التعليمية على حالها المتردي، ومن ثم لا عجب أن تأتى مصر فى تلك المرتبة المتدنية من حيث جودة التعليم، ففى السادسة صباحا يبدأ التلاميذ يومهم، يتكدسون فى الفصول، حيث يجرى حشو أذهانهم بالمواد الدراسية، على مدار 9 حصص، تتوسطها 15 دقيقة للفسحة المدرسية، ثم ينتهى اليوم الدراسي، وقد نسى التلاميذ أو الطلاب ما حصلوه طوال اليوم من كثرة المواد التى تلقوها، بينما نجد كثافات عالية فى الفصول تصل فى بعض المدارس إلى 120 تلميذا، ناهيك عن مناهج لا تشجع على الإبداع، ومعلمون مهمومين ـ طوال الوقت- بتحسين دخلوهم المادية عبر الدروس الخصوصية، ونظام امتحانات لا يقيس القدرات الحقيقية للطلاب لدرجة أن كليات القمة تستبعد أعدادا كبيرة من الحاصلين على الثانوية العامة, ومن ثم نحن أمام منظومة متهالكة، تحتاج حتما إلى الإصلاح، إذا كنا نطمح للنهوض بالدولة بشكل حقيقي.

وبشكل عام، يعانى نظام التعليم فى مصر، مشكلات وتحديات كثيرة، يبدأها الدكتوركمال مغيث ـ الخبير التعليمى والتربوي- باليوم الدراسي، فبالرغم من طول ساعاته، إلا أنه لا يوجد به مساحة كافية للترفيه، وممارسة الأنشطة، ولعلنا نتذكر أيام زمان، حينما كانت هناك حصص للرسم، والموسيقى والألعاب بشكل يومي، فى المقابل كانت الحصة فعالة، والمعلم ملتزم، وكانت هناك مراقبة مستمرة للعملية التعليمية، وكانت اقتراحات الطلاب تؤخذ على محمل الجد، ويتم تنفيذها، لكن الآن، تشهد العملية التعليمية فوضى شديدة، فالمعلم يتفنن فى إهدار الوقت من أجل ابتزاز الطلاب للتوجه نحو الدروس الخصوصية، والإدارة لا تحاسبه، كما أن مرتبات المعلمين هى أساس البلاء، فى السبعينيات من القرن الماضى كان مرتب المعلم يعادل 5 آلاف جنيه حاليا بأسعار اليوم، ومن ثم كان يحترم مهنته، وطلابه، ولو كانت هناك إدارة حاسمة ، ومراقبة، ومعلم يراعى ضميره، وميزانية مناسبة، وعائد مادى مناسب، لما تراجعت مصر إلى المرتبة قبل الأخيرة فى تقرير التنافسية العالمية 2015/2016 ( تحتل 139 من بين 140 دولة) من حيث جودة التعليم.

إذا كانت هناك نية لإصلاح العملية التعليمية- وهذا لا يبدو واضحا حتى الآن ـ فلابد من تشخيص أمراض التعليم، ومشاكله، حتى نتجاوز عمليات التخريب المتعمدة التى تعرضت لها العملية التعليمية منذ عشرات السنين، لدرجة اتجه فيها الأغنياء للتعليم الخاص، واستمر التدهور حتى ظهرت المدارس ذات الفترتين، والثلاث فترات، وأصبح لدينا خريجون لا يعرفون القراءة والكتابة، و فى المقابل ، ظهرت المدارس الدولية التى تتجاوز رسوم الالتحاق بها عشرات الآلاف من الدولارات، حيث التعليم الفعال، والقاعات المجهزة، والأعداد المنخفضة، والوسائط التعليمية المتطورة، والمواد التعليمية الفيلمية.

وإذا كانت هناك إرادة للتطوير، فنحن لن نخترع العجلة من جديد، فهناك العديد من التجارب التعليمية الناجحة فى دول كثيرة، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وكندا، وبريطانيا، وماليزيا، واليابان، ويمكن الاستفادة من هذه التجارب، لكنها تحتاج إلى ميزانيات مضاعفة، فإذا كنا ننفق ما بين 8-9% من إجمالى الانفاق الحكومى على التعليم، فيجب الا تقل ميزانية الانفاق على التعليم عن 25% ، مؤكدا أن المشاكل التى تعانيها العملية التعليمية متعددة ومتشابكة، ويأتى فى مقدمتها ضعف التمويل، وتدهور مرتبات المعلمين، وارتفاع كثافة الطلاب بالفصول (تصل إلى 120 طالبا فى الفصل الواحد فى العديد من مدارس الحكومة)، وكذلك غياب إرادة واقعية وحقيقية لتطوير العملية التعليمية، فضلا عن نظم امتحانات تقيس كمية ما يحفظه الطالب من معلومات، وكما هو معروف، فإن الحفظ والتذكر يأتيان فى المرتبة الدنيا من القدرات التعليمية، إلى جانب مناهج متطرفة لا تثير حماس الطلاب، وازدواجية حادة تصنع شعوبا مختلفة وليس شعبا واحدا.. تلك كانت أبرز مشكلات التعليم المصرى باختصار..

حلول ممكنة

أما الحلول فهى ممكنة وليست مستحيلة، وتأتى فى مقدمتها ضرورة زيادة ميزانية التعليم، ويمكن تمويلها من خلال فرض ضرائب على البورصة، واسترداد الأموال المهربة للخارج، ومصادرة الأراضى المنهوبة، أو استرداد فرق قيمة البيع، ورفع شريحة الضرائب على المقتدرين والأثرياء، وهؤلاء يمثلون شريحة ليست بالقليلة فى المجتمع، كما يمكن وضع آلية بحيث تعود أموال الدروس الخصوصية إلى المدرسة، لتقديم تعليم جيد، أما المناهج فهى تحتاج تعديلا جذريا، فليس من المقبول، أن يقوم بإعدادها أناس لا يتمتعون بالأفق ، والخيال ، ويفتقرون للإبداع والابتكار، ومن ثم نحتاج مجموعة من الخبراء والأستاتذة المتخصصين فى مجالات العلوم المختلفة، لتطوير المناهج.

المناهج سر التطوير

وبشكل عام- والكلام هنا للدكتور محمد المفتى أستاذ المناهج بجامعة عين شمس- فإن اليوم الدراسى يفتقر للتنسيق ، فهناك بعض الحصص التى يتم فيها تدريس مواد أساسية أوإضافية، تأتى فى مقدمة اليوم الدراسي، أما المواد التى تحتاج ذهنا صافيا وتركيزا مرتفعا كالرياضيات، والفيزياء، والكيمياء، يتم تدريسها بعد الفسحة المدرسية، التى يبذل خلالها الطلاب جهدا كبيرا، وطاقة عالية ،فيعودون لاستئناف الحصص بذهن غير حاضر، وغير نشيط أيضا، مشيرا إلى أن اليوم الدراسى لا يتم تنفيذه، كما هو مدون فى الأوراق والجداول، كما أن معظم المدارس أضحت خاوية من الطلاب، حيث يهربون قبل انتهاء اليوم الدراسي.

وبحسب الدراسات التربوية والنفسية- فإن هناك معايير قياسية للحصة فى كل مرحلة دراسية، وحسب العمر العقلى والزمني، ففى المرحلة الابتدائية، ينبغى أن تتراوح مدة الحصة بين 35 إلى 40 دقيقة، بعدها يفقد التلميذ القدرة على التركيز، بينما لا يجب أن تتجاوز الحصة فى المرحلة الإعدادية أوالثانوية 40 أو 45 دقيقة على أقصى تقدير، أما المحاضرة فى الجامعة فيجب أن تتراوح بين ساعة أو ساعة ونصف فى أقصى مدة زمنية لها، وإذا زادت المدة عن ذلك، يفقد الطالب القدرة على التركيز، وتصبح العملية التعليمية بلا جدوي.

مطلوب إستراتيجية واضحة

> قلت: هل تمتلك مصر استراتيجية واضحة للنهوض بالعملية التعليمية؟

>> د. المفتي: بالتأكيد هناك استراتيجية، ولكنها لا تنفذ، فكل وزير يهدم ما فعله الوزير السابق، ويلغى أفكاره، ولكى يقنع الرأى العام بأنه أضاف شيئا جديدا، وليس أدل على ذلك من الغاء السنة السادسة فى الشهادة الابتدائية ثم العودة إليها، واحتساب نتيجة الشهادة الثانوية على عامين (السنة الثانية والثالثة، ثم إعادة نظام السنة الواحدة، ثم تصريحات وزيرالتربية والتعليم السابق ، بأن، يضم اليوم الدراسى 3 محاضرات، مدة كل منها ساعة ونصف، ثم العدول عن ذلك، وهكذا أصبح أبناؤنا حقل تجارب.

وبشكل عام، ـ والكلام مازال لـ د. «المفتي» ـ، فإن هناك نوعين من المناهج الدراسية، نوع يقوم على أساس المشكلات، بحيث يتم طرح مشكلة وإرشاد التلاميذ إلى مصادر المعرفة، ومطالبتهم باقتراح حلول لها، مما يحقق للطالب الإبداع والتفكير الناقد، وهناك مناهج قائمة على أساس المفاهيم الكبري، بحيث تتكامل العلوم مع بعضها، فى معالجة مفهوم معين، وهذه المناهج معمول بها فى دول الغرب، وفى آسيا، وبالرغم من مطالبنا الدائمة والمتكررة بتطوير المناهج لتبتعد عن الحفظ والتلقين، وأن تتجه لتنمية مهارات الإبداع والتفكير لدى الطلاب، كما يجب أن يعمل على إعدادها أساتذة متخصصون، بدلا من الهواة، إلا أنه لا أحد يستمع لنا، وإذا سمعوا لا ينفذو، وقد كانت لى تجربة مع 4 وزراء للتعليم، قدمت لهم استشارات كثيرة، ووضعت معايير لمصلحة تطوير النظام التعليمي، لكن لم ينفذ منهم أى أحد ما اقترحته، وهكذا تتدهور العملية التعليمية ـ من سنة إلى أخري، بينما يتقدم العالم من حولنا بسرعة الصاروخ!! التعليم كما يقول الدكتور سامى نصار أستاذ أصول التربية بكلية الدراسات العليا للتربية بجامعة القاهرة- لا يحظى بالدعم ولا الإرادة السياسية اللازمة، ونحن لا نجد التعليم فى مقدمة الأولويات، فضلا عن غياب الرؤية الشاملة لتطويرالنظام التعليمي، تلك الرؤية إن وجدت- ينبغى أن تعمل جميع الوزارات المعنية على تنفيذها، فكل وزير يتبنى خطة، ويقوم الوزير التالى بتغييرها، كما أنه لا توجد مبادئ حاكمة لاصلاح التعليم، على المستوى الاستراتيجى لفترة زمنية طويلة.

التعليم .. مشروع مصر القومي

من هنا، ينبغى أن يصبح التعليم مشروع مصر القومي، وتلتزم بتنفيذه كل مؤسسات الدولة، وعلينا أن نبدأ بالتعليم الأبتدائي، فالمدرسة ينبغى ألا تكون وسيلة لنقل المعلومات من خلال أكبر قدر من الحصص، والحشو فى المناهج ، بل إعداد مواطن ، ولكى يتم ذلك لابد من بيئة مناسبة، وأنشطة، ومناهج تنمى مهارات الإبداع والتفكير لا الحفظ والتلقين، ونظام للتفاعل الاجتماعى بين الطلاب داخل المدارس، ووسائل غير تقليدية فى التعليم وتوصيل المعلومات، فالعبرة بالكيف وليست بالكم.

أما تغيير المناهج فهو أبسط حلقة فى منظومة تطوير العملية التعليمية، لكن تطوير آداء المعلمين، وإيجاد بيئة تعليمية مناسبة وملائمة للتحصيل العلمي، وكذلك تطوير اتجاهات الناس، وإعادة ثقتهم فى المؤسسة التعليمية وجدواها، يحتاج إلى خطة استراتيجية متوسطة وطويلة المدي، وصولا إلى خريج كفء، ومؤهل لسوق العمل، فضلا عن ترسيخ قيم الانتماء، والتعاون، والعمل الجماعي، وكل هذه القيم الإيجابية تخلقها الممارسة داخل المدرسة.
remove_circleمواضيع مماثلة
لا يوجد حالياً أي تعليق
privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى