مدرس اون لايندخول

د محمد زهران: أح أح يا عم هلالي !!!

د محمد زهران: أح أح يا عم هلالي !!!  1432241256-47_%D8%A7%D8%AE%D8%A8%D8%A7%D8%B1_%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%85

كنت أجلس على أحد مقاهي القرية التي استلمت العمل بها مدرساً بإدارة بنها التعليمية ، مع أن سبب نقلي من قليوب لبنها هو رغبتي في أن أكون قريباً من كلية الآداب التي التحقت بها ، وكنت أتعشم في الإدارة التعليمية ببنها ، أن تسلمني العمل بإحدى مدارس المدينة ، كي أواظب على محاضراتي بكلية الآداب التي دخلتها منتسباً ، وفي الفرقة الثانية حولت انتظام لحصولي على تقدير ، وكنت أول موظف في الجهاز الإداري للدولة عبر تاريخه الطالب المنتظم في الكلية ، وهو موظف حكومة منتظماً أيضاً في عمله ، بل كنت صاحب أكبر جدول في المدرسة ، ولكن الأستاذ عبد المعز مشهور - مدير التعليم الابتدائي - آنذاك أصر على توزيعي على إحدى القرى ، وسدد لي رصاصتين بقوله : ياابني لازم تتمرمط سنتين وبعدين تدخل بنها ، فأخبرته بأنني متمرمط من 5 سنوات في قرى إدارة قليوب ، ولم آتي هنا لإعطاء دروس خصوصية وإنما أتيت لكي أقُيم وحيداً بعيداً عن أسرتي حتى أحصل على ليسانس الآداب وأستكمل دراستي في الماجستير والدكتوراه ، ولكنه أصر على عملي بإحدى قرى بنها ، وبالفعل نفذت الأمر ، وبعد انتهاء الفترة المسائية جلست على مقهى قريب من المدرسة كعادتي في الأيام التي تخلو من المحاضرات ، وهذا المقهى البسيط ذو الدكك الخشبية التي تستريح وأنت تجلس عليها بعيداً عن الكراسي الخشبية القديمة في باقي مقاهي القرية التي لا تخلو من المسامير ، أو الكراسي البلاستيك المكسورة والمربوطة بأسلاك وقطع قماش وكأنك تجلس في مخيم للاجئين ، وهذا المقهى يقابله حائط طيني لمنزل قديم من اللبن ومسقوف بالجريد ، كنت أرتشف رشفة من كوب الشاي من كوباية مضلعة تميل إلى الإخضرار الباهت ، لرداءة زجاجها ، وعلى الرغم من ذلك هذه المقهى وروادها ، وما يحيطها من مباني ، كانت تشعرني بأنني أعيش في قريتي ، والاختلاف بسيط ، في بعض الألفاظ التي أسمعها وأنا على المقهى أو عند مقابلة ولية أمر جاءت تسأل عن مستوى نجلها ، أو عندما تحدث معارك في الشارع سواء بين الشباب ، أو حتى معارك الجيران من النساء ، لكنني كنت سعيد في هذه السنة ، بهذا الجو الجميل ، المليء بالحميمية والود بيني وبين المدرسين ، وخاصة أنني لا أشاركهم في الدروس ولا في مجموعات التقوية ، وتركت لهم تلامذتي حلال بلال !!! ، على الرغم من المجهود الذي أبذله مع هؤلاء الطلاب ، وعلى الرغم من محايلات أولياء الأمور وكذا التلاميذ لإعطائهم دروس خصوصية ، أو حتى مجموعات تقوية ، لكنني كعادتي أتاجر في أبو بلاش !!! ، وكان يجلس على مقربة مني هذا المساء مجموعة من شيوخ القرية ، وفي مدخل المقهى كان يجلس وحيداً مرتدياً ثياباً رثة وطقية قديمة باهتة وكأنها ملتصقة برأسه من سنوات طوال ، وأثناء خروج التلاميذ من المدرسة بعد انتهاء المجموعات المدرسية ، هتف الصبية تجاه الشيخ ذو الجلباب الرث : ( أح أح ياعم هلالي ) ، وإذا بهذا الشيخ الخامل يسبهم بأفظع الشتائم ، ويعنفهم المارة في الشارع ، والجالسون على المقهى ، وبما أنني كنت أجلس خلف أفرع شجرة ( شعر البنت ) فلم ينتبه التلاميذ لوجودي ، وإذا بالجالسين على المقهى يتمتمون مشفقين على حال عم هلالي ، ومع كثرة وفود التلاميذ المارة ، وهم يتهكمون على عم هلالي ، جرى عم هلالي وراء بعضهم ولم يعود ، وأحد الجلوس انتبه إلى أنني حريص على معرفة حكاية عم هلالي ، واشترك معه في الحوار عدد غير قليل من رواد المقهى بأن عم هلالي كان رجلاً ميسوراً لورث تملكه من جده لوالدته لكنه كان رجلاً بخيلاً ، وأضف على بخيل أنه طمَّاع ، وعَلِم أحد النصابين بالقرية بطمع عم هلالي ، وأبلغه بأن هناك أحد العرافين الذين يعلمون أماكن الأثار التي يمكنه من بيعها بملايين الجنيهات ، فعماه الطمع ، وأبلغوه أنهم لن يأخذوا منه مليماً واحداً ، إلا إذا وصل لمكان الآثار ، وبالفعل احضروا له عرافاً وأبلغوه بأن هذا الرجل كشف عن عشرات المقابر الأثرية ، والنصاب اصطحب عم هلالي ومعه العراف وتوجهوا إلى قطعة أرض خلاء خارج القرية ، وطلب العراف من عم هلالي أن يقف في مكان حدده له ، وبدأ يقرأ بعض الطلاسم وهو واضع يده على رأس عم هلال ، وطلب منه أن يبلغه إذا سخنت قدماه ، فسخونة القدمين دليل على أن الآثار في هذا المكان ، وبدأ العراف يقرأ والنصاب يسأله : رجلك سخنت ياعم هلالي ؟ !!! وعم هلالي يقول : لأ ، فأخذوا يتنقلون به من مكان إلى مكان ، والنصاب يسكب الماء البارد أسفل قدم عم هلالي ، كنوع من الطقوس مع تمتمة العراف وقراءته لبعض الطلاسم بصوت يسمعه الجميع ، إلى أن وصلوا لمكان أسفل شجرة ، فوقف عم هلالي والعراف يقرأ طلاسمه ويده على رأسه والنصاب يسكب كمية كبيرة من المياه الباردة أسفل قدم عم هلالي ، وبدأ عم هلالي يشعر بسخونة أسفل قدميه ، ثم ارتفعت نسبة السخونة وعم هلالي يقول : خلاص رجلي هتولع الآثار تحت رجلي ، والنصاب يسكب كميات ماء أخرى تحت قدم عم هلالي وعم هلالي يصرخ ، والنصاب والعراف يطالبانه بالصبر للتأكد من أنه المكان المطلوب ، ولم يتحمل عم هلالي سخونة قدميه وبدأ يجري في الخلاء وهو يصرخ : أح أح رجلي ولعت ، واستمر عم هلالي في صراخه وترديده للفظ : أح أح !!! ، لكن سعادته بالآثار أنسته التهاب قدميه ، وطلب من النصاب والعراف كتمان السر ، فطلب منه النصاب : 20 ألف جنيه مناصفة بينه وبين العراف ، فاضطر عم هلالي لدفعها ، طمعاً في ملايين الجنيهات التي سيحصل عليها من بيع الآثار ، واتفق عم هلالي مع خمسة عمال من أقاربه للخروج في سرية تامة قبل صلاة الفجر ليحفروا في المكان الذي حدده العراف ، وبدأوا في الحفر فضحك أحد العمال ساخراً من عم هلالي ، وأبلغه بأنه اتنصب عليه ، وأن السُخنية التي شعر بها نتيجة وجود كمية كبيرة من الجير الحي ، كلما وضعوا عليها الماء ارتفعت السخونية تحت قدميه ، ولك أن تتخيل عم هلالي البخيل الشحيح عندما يعلم أنه تم النصب عليه في 20 ألف جنيه ، فالصدمة أثرت في عم هلالي وأفقدته عقله ، وأصبح موضع سخرية من أهل القرية وخاصة أطفالها ، فكلما رأه أحدهم نادي عليه : أح أح ياعم هلالي ، وهي الكلمة التي رددها عندما شعر بسخونية قدميه .........
دكتور محمد زهران - مؤسس تيار استقلال المعلمين ....
remove_circleمواضيع مماثلة
لا يوجد حالياً أي تعليق
privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى