مدرس اون لايندخول

حمزاوي: أزمة التعليم تتلخص فى العجز على 5 محاور ... ننشرها بالتفصيل

حمزاوي: أزمة التعليم تتلخص فى العجز على 5 محاور ... ننشرها بالتفصيل 41937
كما الإنسان الفرد، تتورط المجتمعات البشرية فى الكثير من الأحيان فى التحايل على أزماتها وتمتنع عن مواجهتها بجدية. وعادة ما يصاحب التحايل هذا إما حالة من الجمود / السكون أو وضعية صراعات وتوترات دائمة ــ بينما يكون الجمود / السكون من نصيب المجتمعات التى توفر على الأقل الحدود الدنيا من الحقوق والحريات والأمن والحياة الكريمة لسكانها، فإن الصراعات والتوترات تطغى فى المجتمعات التى تعجز عن ذلك.

كما الإنسان الفرد، تتاح للمجتمعات البشرية بعض الفرص لتعديل / إصلاح / تغيير مساراتها والنجاة من مأزق التحايل. وعادة ما ترتبط الفرص هذه إما بمراحل اشتداد الأزمات واقتناع أغلبية شعبية باستحالة «بقاء الوضع على ما هو عليه» أو بفترات انكشاف الضعف والوهن فى سياق انهيارات داخلية / مواجهات إقليمية / تدخلات دولية أو بلحظات التحولات الجماعية الحادة فى مزاج الشعوب وتفضيلاتها ورغباتها للحاضر وللمستقبل.

أنطلق من هاتين القاعدتين لتحليل أزمة النظم التعليمية فى مصر، مبتعدا اليوم عن قضايا الحكم والسلطة بمضامينها وصراعاتها وتوتراتها التقليدية. وجوهر الأزمة هنا يتمثل فى: 1) العجز المتصل لنظم التعليم المدرسية والجامعية عن صناعة بيئة عامة حاضنة لقيم المعرفة والعلم والعقل والحرية والموضوعية. 2) العجز عن صناعة إدراك شعبى عام يربط بين جودة التعليم وبين فرص الارتقاء الفردى عبر بوابات العمل والمبادرة الفردية والتميز الشخصى وبين جودة التعليم وبين إمكانيات التقدم المجتمعى وما ينتج عنها من ظروف معيشية وخدمات أساسية وتفاصيل حياة أفضل. 3) العجز عن الاضطلاع بدور إيجابى فى توطين شروط أساسية للارتقاء الفردى وللتقدم المجتمعى فى البيئة المصرية، شروط كأولوية التسامح وقبول الرأى الآخر على التطرف ورفض الآخر وكضرورة التطور من خلال إعمال أدوات المراجعة والنقد والتقييم والتصويب وكالاحتفاء بحرية الفكر والبحث العلمى والكفاءة والتفوق. 4) العجز عن توحيد معايير الخدمات التعليمية ومضامين الجودة على نحو يتجاوز ثنائية التعليم العام والخاص وثنائية نظم التعليم المدنية والدينية ويعلى فى مراحل تعليمية بعينها من قيمة شمولية المعرفة وفى مراحل تالية من قيمة التخصص العلمى والفنى الدقيق. 5) العجز ــ وهو مترتب على كل ما سبق ــ عن الدفع إلى سوق العمل فى القطاعات الحكومية والقطاعات الخاصة بكوادر بشرية معدة ومدربة ومؤهلة للإسهام الفعال وأيضا عن الدفع إلى مجالات الحياة العامة والعمل العام والنشاط الأهلى بمن يستطيعون صناعة الفارق وينتصرون لما يستحقه مجتمعنا من حق وعدل وحرية ومساواة وتقدم.

منذ خمسينيات القرن العشرين، والمجتمع المصرى يمعن فى التحايل على أزمة النظم التعليمية بمضامينها المتعددة، ويراوح بين تجاهل تام وتقليل من الآثار السلبية وتطبيق محدود الكفاءة لمبادرات جزئية لا قدرة لها على تعديل أو إصلاح أو تغيير. أمعنا فى التحايل، على الرغم من تعثرنا؛ من اكتشاف الحكم الناصرى لمحدودية كفاءة بيروقراطية الدولة والمؤسسات الرسمية والقطاع العام بسبب تدنى جودة الخدمة التعليمية (من بين عوامل أخرى) مرورا بتبلور التفاوتات المخزية بين التعليم العام والخاص فى الفترة الساداتية وحقائق التمييز ضد الفقراء ومحدودى الدخل التى حملتها ووصولا إلى التراجع الشامل فى مرفق التعليم بجميع مكوناته. أمعنا فى التحايل، على الرغم من انتكاسات متتالية كان لأزمة التعليم دور غير ثانوى بها؛ والأمثلة المؤلمة متنوعة، من بينها تراجع معدلات التنمية فى الستينيات ونكسة 1967 التى كان من بين مسبباتها الكثيرة التفوق التكنولوجى لإسرائيل الناجم عن تقدم النظم التعليمية واختلالات منظومة القيم المجتمعية الذى تبدى (ولم يبدأ) فى السبعينيات على وقع تفريغ مبادئ تكافؤ الفرص والكفاءة والتفوق والتسامح من المضمون وشيوع الجهل والخرافة قبول الفساد والمحسوبية والتطرف ورفض الآخر وغزوهم للقطاعات الحكومية والخاصة ولجميع المجالات دولة ومجتمعا ومجالا عاما وتجمعات طوعية للمواطنات والمواطنين.

واليوم، نمعن أيضا فى التحايل على أزمة النظم التعليمية ونتحصن خلف الثنائيات التى أوصلتنا إليها، التعليم العام والخاص / التعليم المدنى والدينى / مسئولية الدولة أم المجتمع. ومناط الخروج الوحيد من الأزمة هو رؤية شاملة للتقدم نتوافق عليها مواطنا ومجتمعا ودولة، شروط تطبيقها الناجح هى الانتصار للمعرفة والعلم والعقل والحرية فى التعليم كما فى كل جوانب وجودنا الأخرى.
عمرو حمزاوي
جريدة الشروق
remove_circleمواضيع مماثلة
لا يوجد حالياً أي تعليق
privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى