التجربة الماليزية
دولة أسيوية تقع جنوب شرق قارة آسيا، وتنقسم إلى قسمين يفصل بينهما مسطح مائي  يعرف باسم بحر الصين الجنوبي،

تعد ماليزيا واحدة من أهم الدول الإسلامية في الشرق الأسيوي، وقبل ٤٠ سنة كانت ماليزيا تُصنف ضمن الدول الفقيرة والنامية  ولكنها منذ عام ١٩٧٠ م عملت من خلال خطط خمسية متعاقبة لتحسين الوضع الاقتصادي، والارتقاء بمستوى المعيشة
واتضح ذلك من خلال الاجراءات التالية:
1- خفض معدلات الفقر التي كانت قد وصلت إلى أكثر من ٥٠ ٪  من السكان عام . ١٩٧٠ ، وهي نسبة عالية جدًا بالمقاييس الدولية،  لتصبح ٥٪ فقط عام ٢٠٠٤
2- زيادة متوسط دخل المواطن الماليزي عام ٢٠١٢ م  ما يوازي عشرة أمثال  عام 1970
3-  زيادة قيمة صادرات ماليزيا لدول العالم أربعة أمثال في العقود الثلاثة الأخيرة.
3- خفض معدلات البطالة من ١٠ ٪ خلال فترة الخمسينيات والستينيات من القرن 20 لتصل إلى ٢٫٧ ٪ عام ٢٠١٣ وبذلك  تعد ماليزيا من الدول الخالية من البطالة نسبيًّا حسب المعايير الدولية التي تعتبر أي دولة  خالية من البطالة إذ قلت نسبة العاطلين فيها عن ٤٪.
4- انخفضت نسبة الأمية حيث وصل عدد الذين يعرفون القراءة والكتابة عام ٢٠٠٠ م حوالي ٩٤ ٪ من جملة السكان مقارنة بنحو ٥٠ ٪ عام ١٩٧٠ م.
كل ذلك يجعلنا نتساءل، ماذا فعلت ماليزيا لتصل إلى مثل هذه النتائج الهائلة؟
انطلقت السياسة التنموية الماليزية من اهتمامها بالإنسان، والعمل على تحقيق التنمية بكل مجالاتها:

أ ) في مجال التنمية البشرية
- تقوم فلسفة التنمية في ماليزيا على فكرة أن « التنمية البشرية تقود إلى المساواة في الدخل »
- لذا فإن مكاسب التطور الاقتصادي يجب أن تنعكس إيجابيًا على المواطنين في تحسين نوعية حياتهم بما يشمل توفيرالضروريات من الغذاء والعلاج والتعليم والأمن، وأن يكون أول المستفيدين من هذا النمو الاقتصادي هم الفقراء والعاطلون عن العمل والمرضى والأقاليم الأقل نموًا.
- وقد حققت ماليزيا نجاحًا ملحوظًا في معدلات التنمية البشرية وذلك على النحو التالي:
1- مجال التعليم:
نجحت في تأسيس نظام تعليمي قوي ساعدها على تلبية احتياجات سوق العمل ورفع مهارات القوى العاملة التي أصبحت من المزايا التفضيلية للاقتصاد الماليزي وذلك من خلال:
1- الاهتمام بالتعليم والبحث العلمي حيث خصصت اعتمادات مالية كبيرة في مجالات العلوم والتكنولوجيا، فارتفعت نفقات التعليم من ٧ مليارات رينجيت ماليزي عام ٢٠٠٠ م إلى ٥٥ مليار رينجيت عام ٢٠١٤ م (الدولار = ٣ رينجيت تقريبًا) وقد أنفق هذا المبلغ على بناء مدارس جديدة وتجهيزاتها.
2- تأسيس معاهد تدريب المعلمين والتدريب الصناعي.
3- الانفتاح على النظم التعليمية المتطورة (مثل النظم البريطانية والأمريكية).
4- استخدام التقنيات الحديثة والاتجاه نحو إقامة العديد من المدارس الذكية.
5- دعم المنح التعليمية، حيث أرسلت العديد من أبنائها للدراسة في اليابان وغيرها من البلدان المتقدمة، كما شجعت على زيادة البعثات إلى الأزهر الشريف لدراسة العلوم الشرعية.
6- استقدام خبرات أجنبية في كافة مستويات التعليم.
2- مجال الرعاية الصحية والاجتماعية:
وضعت الدولة الفقراء في أولويات اهتمامها فقامت بما يلي:
1- إنشاء المساكن للفقراء وتقديم قروض بدون فوائد لشراء مساكن قليلة التكلفة بالمناطق الحضرية.
2- دعم معظم الأدوية التي يستهلكها الفقراء وتقديم خدمات مجانية في الرعاية الصحية للأمهات والأطفال.
3- توفير مرافق البنية الأساسية في المناطق النائية الفقيرة، و مرافق النقل والاتصالات سلكية ولاسلكية.
4- توفير فرص عمل للفقراء وتقديم اعتمادات مالية لصالح مشروعات موجهة لتطويرالريف، والأنشطة الزراعية الخاصة بالفقراء.
ب ) في مجال التنمية الاقتصادية
- ركزت على التنمية الصناعية للخروج من دائرة الفقر،
- مرت بمراحل مختلفة تحولت خلالها من دولة زراعية بدائية مصدرة للمواد الخام إلى دولة متقدمة تحتل المرتبة التاسعة عالميًا بين الدول المصدرة للصناعات التكنولوجية العالية،
- وصل حجم التجارة الخارجية لماليزيا إلى نحو ٣١٤٫٢ مليار دولار عام ٢٠١٣ م.
- استطاعت ماليزيا أن تحقق طفرة في الصادرات التي اتجهت لأغلب دول العالم بما فيها أكثر الدول تقدمًا.

1- الاستقرار السياسي:
- لعب الاستقرارالسياسي دورًا مهمًا في دفع عملية التنمية نحوالأمام  فالاقتصاد والسياسة وجهان لعملة واحدة
- وخلال الخمسين عاما خلال الفترة ( ١٩٥٧/ ٢٠٠٧ م ) قاد ماليزيا خمسة رؤوساء وزارة فقط
- تهيأ منذ الاستقلال حتى الآن لماليزيا عدد من القيادات السياسية المتميزة الواعية القادرة على العمل لتحقيق المصالح العليا للدولة.
2- استقرار السياسات الاقتصادية:
- الأداء الكلي للاقتصاد تميز بالاستقرار، ويوفر بيئة مواتية لنمو المدخرات المحلية، وجذب الاستثمارات.
- كان للتدخل الحكومي دورًا مهمًا في زيادة الدخول الحقيقية للأفراد من السلع والخدمات، ومعالجة التفاوت
في الدخل النقدي بين جميع فئات المجتمع.
3- المشاركة في التنمية:
- حرصت حكومة ماليزيا على الحصول على التأييد الشعبي، و الحرص الذاتي في كل فرد على تطويرالدولة مما يشعره بأنه هو المستهدف من عملية التنمية، وأن تقدم بلاده يقوم عليه كفرد قبل كل شيء.
4- التعايش السلمي:
- أحد عناصر نجاح التجربة الماليزية هو الاعتراف بالتنوع العرقي والديني
- الإقرار بوجود اختلالات حقيقية في مستويات الدخل والتعليم بين فئات المجتمع والتوافق على ضرورة علاج هذه الاختلالات بشكل هادئ وواقعي وتدريجي، وتحقيق التعايش السلمي،
- حفظ حقوق الجميع والمشاركة في المسؤولية كل ذلك كان مدخلاً لتوفير الأمن والاستقرارالاجتماعي والسياسي وهي من أهم متطلبات التنمية.
5- الإدارة الجيدة:
عملت ماليزيا على محاربة الفساد و إصلاح الجهاز الإداري للدولة واختيار موظفين مؤهلين لتقلد أعباء إدارية رفيعة المستوى لإنجاز أهداف محددة .
ثانيًا : التجربة البرازيلية

والنموذج الثاني الذي سوف نتعرف عليه هي البرازيل أكبر دولة في أمريكا الجنوبية. وخامس أكبر دولة في العالم، سواء من حيث المساحة أو عدد السكان وهي أكبر البلدان الناطقة بالبرتغالية في العالم.

- واجهت البرازيل مثلها مثل أغلب دول العالم الثالث أزمة ديون طاحنة خلال ثمانينات القرن العشرين، ونتيجة لذلك حاولت الخروج من هذه الاستدانة،
- غالت في الاقتراض من الخارج لتنفيذ مشروعاتها التنموية، مما خلف ديونًا اقتصادية كبيرة
-  ارتفع الدين الخارجي للبرازيل عام ١٩٩٥ م إلى ٢٥٠ مليار دولار،
س ما النتائج المترتبة على ازدياد الدين الخارجي للبرازيل ؟
1- أزمة انعدام الثقة في الاقتصاد البرازيلي سواء من الجهات الدولية أو المستثمرين سواء المحليين أو الأجانب،
2-  زادت مشكلات الفقر 3- ارتفعت معدلات البطالة،
4- أصبحت البرازيل من أكثر دول العالم مديونية لتوفير المتطلبات الأساسية للسكان،
وقد أشرفت البرازيل على الإفلاس لعدم قدرتها على سداد ديونها الخارجية
5- انتشار مشكلات اجتماعية خطيرة مثل تردي أحوال التعليم، وانتشار الجريمة،
6- تفاقم مشكلات الجوع والبطالة والفقر، والتفاوت الشديد بين طبقات المجتمع.
- ورغم ذلك نجحت على مدى العقدين الماضيين في تحقيق استقرارًا اقتصاديًّا،
- تجلى بعض مظاهره في انخفاض معدلات التضخم، وتحقيق نمو اقتصادي مرتفع، وانخفاض نسبة الديون إلى إجمالي الناتج المحلى، فضلاً عن الحد من التفاوت في الدخول، وانحسار نسبي للفقر، مع نهاية عام ٢٠١١ م،
أعلنت البرازيل رسميًا أنها أصبحت سادس أكبر اقتصاد في العالم، متقدمة بذلك على بريطانيا.



أ) في مجال التنمية البشرية
- اتبعت الحكومة البرازيلية مبدأ المكاشفة لإعلام مواطنيها بالموقف المالي بكل صراحة، وذلك للبدء في تطبيق سياسة للتقشف باعتبارها الطريق الأول والأمثل لحل مشكلاتها الاقتصادية.
- نفذت البرازيل برنامجًا للتقشف وفقا لخطة صندوق النقد الدولي بهدف سد عجز الموازنة والقضاء على أزمة الثقة وقد أدى برنامج التقشف إلى خفض عجز الموازنة وساهم ذلك بقوة في القضاء على انعدام الثقة في الاقتصاد البرازيلي،
- وبناء عليه تلقت البرازيل نحو ٢٠٠ مليار دولار استثمارات مباشرة من ٢٠٠٤ وحتى ٢٠١١ وأدى ذلك إلى أن أكثر من نصف سكان البرازيل قد زاد دخلهم خلال السنوات العشر الأخيرة بنسبة ٦٨ ٪ .
- دعم الطبقات الفقيرة؛ وصل عدد المستفيدين من الدعم إلى ١١ مليون أسرة، ٣٣ ٪ من الشعب البرازيلي لتتمكن من العيش بشكل أفضل والحصول على الطعام واقتناء بعض السلع المعمرة لأول مرة في حياتهم.
- ربطت الدولة خطط تنميتها الصحية والاجتماعية بالتعليم فأصبح الالتحاق بالتعليم والالتزام بالحصول على الأمصال واللقاحات للأطفال بشكل منتظم شرطًا أساسيًّا لحصول الأسر الفقيرة على الدعم.
- ركزت الدولة على عدالة التوزيع في الثروة حيث وضعت الحكومات البرازيلية المتعاقبة خططًا استراتيجية لمحاربة الفقر والحد من التفاوت في الدخل، مع مراعاة حماية حقوق المستثمرين ورجال الأعمال المحليين
والأجانب مما يؤدى إلى انتعاش الأسواق وزيادة فرص العمل.
ب ) في مجال التنمية الاقتصادية:
مجال الصناعة:
خطت البرازيل خطوات واسعة في السنوات الأخيرة في تنمية وتطوير قطاع الصناعة فقامت بما يلي:
- التركيز على سياسة التصنيع بدلًا من الاعتماد على الاستيراد
- الاهتمام بالصناعات التقنية المتقدمة، فشهدت البلاد تطورًا واضحًا في صناعة السيارات والطائرات، وتمتلك البرازيل الآن شركة من أكبر شركات تصنيع الطائرات التجارية في العالم.
- الاهتمام بتنمية الصناعات البسيطة مثل الصناعات الغذائية والجلدية والنسيج.
مجال الزراعة:
- تحسين سبل ووسائل الإنتاج الزراعي والتوسع في بعض الزراعات مثل محصول البن وبعض أنواع الفواكه.
مجال السياحة:
- ابتكرت البرازيل نوعًا خاصًا من السياحة يعرف بسياحة المهرجانات،
- البرازيل دولة تمتلك تراثًا شعبيًّا شديد الخصوصية في الاحتفال عن طريق المهرجانات الجماهيرية التي تشهد حالة من الاحتفال الجماعي في الشوارع برقصات السامبا والموسيقى والألوان والاستعراضات المبهرة،
- نجحت في جذب خمسة ملايين سائحًا سنويًّا، مما أسهم في إنعاش اقتصاد الدولة وحقق مزيدًا من النمو.



هناك عدة عوامل ساعدت على تقدم البرازيل منها:
أ ) الاستقرار السياسي:
فالتحول إلى النظام الديمقراطي وترسيخ دولة المؤسسات والقانون من خلال إقرار النظام الفيدرالي شكل الأساس والخلفية الصلبة التي قام عليها اقتصاد البرازيل القوي.
ب) تغيير سياسات الاقراض:
-  تم توفير تسهيلات ائتمانية، حيث خُفضت سعر الفائدة من ١٣٫٢٥٪ إلى ٨٫٧٥ ٪ وهو ما سهل الإقراض بالنسبة للمستثمرين الصغار،
- أدى ذلك إلى تسهيل إقامة المشروعات الصغيرة وتوفير فرص عمل ورفع مستوى الطاقة الإنتاجية والنمو وهو ما ساهم في حل مشكلة الفقر.
ج) التكتلات الاقتصادية :
- لم تكتف البرازيل بالعمل على استخدام السياسات الاقتصادية الداخلية للنهوض بالاقتصاد البرازيلي، و إنما أيضًا خطت خطوات متميزة على مستوى السياسات الاقتصادية الخارجية. من خلال تجمع اقتصادي يطلق
عليه (الميركسور mercosur ) وهي رابع أكبر قوة اقتصادية في العالم؛ بعد الاتحاد الأوربي وتجمع دول جنوب شرق آسيا والتكتل الاقتصادي لدول أمريكا الشمالية.
- كما شكلت البرازيل مع روسيا والصين والهند مجموعة اقتصادية يطلق عليها(BRICS البريكس )
في ٢٠٠٩ م ثم انضمت لهم جنوب أفريقيا في ٢٠١٠ م. وهذا التجمع يضم خمس دول تعد صاحبة أكبر اقتصاديات على مستوى الدول النامية.
د) المشاركة الشعبية:
- التجربة البرازيلية لم تكن تجربة حكومات وإنما تجربة نجاح قامت بإرادة شعبية حقيقية ووعي جماهيري بأهمية التنمية،
-  فالشعب البرازيلي بطبقاته الفقيرة هو من تحمل أعباء سياسات التقشف حتى تعافى الاقتصاد البرازيلي وهو الذي ينتج ويصدر،
- هو من استطاع تقديم عروض ناجحة وقوية وصادقة مكنت البرازيل من الحصول على تنظيم أهم حدثين رياضيين في العالم وهما كأس العالم ٢٠١٤ م بعد منافسة قوية مع الولايات المتحدة، بالإضافة إلى الألعاب الأوليمبية في ٢٠١٦ والتي فازت بها ريو دي جانيرو بعد منافسة قوية مع مدريد لتكون بذلك أول دولة بأمريكا الجنوبية تقام بها الاولمبياد في التاريخ.