مدرس اون لايندخول

ما الذي يجعل طلاب فصل في مدرسة يحققون معدلات تفوقٍ حقيقية في مادة ما ؟

ما الذي يجعل طلاب فصل في مدرسة يحققون معدلات تفوقٍ حقيقية في مادة ما ؟ 783

في مجال التعليم يبرز دائمًا سؤال ؟
ما الذي يجعل طلاب فصل في مدرسة يحققون معدلات تفوقٍ حقيقية في مادة ما ، بينما يعجز أقرانهم في مدرسة أخرى عن ذلك ، رغم تشابه القدرات والظروف المحيطة ؟
ليس سرًا أن الأمر راجع إلى الطريقة التي اتبعها المعلم على مدى طويل ، والتي تؤتي ثمارها مع الخبرة والممارسة . وهي التي تصنع فارقًا بين فصل وآخر، ليس في النتائج فحسب ، بل في شخصيات الطلاب وسلوكهم وتوجهاتهم ، ويظل أثرها معهم مستقبلًا.
وهو ما سنحاول التطرق إليه في هذا المنشور بتوضيح الأسس الأولية التي يقوم عليها التعليم الناجح :
 أولًا : الرؤية الواعية
ونعني بها الوثيقة الروحانية التي يحملها المعلم في أعماقه لأجل نجاح التعليم ، وتتضمن الرؤية : الرسالة التي يقوم بها كصانع لحياة ، وليس كملقن لمعلومة . و تتضمن أيضًا منظومة القيم التي يحملها تجاه مهنته ، والكثير من الرسائل البالغة العمق التي تنتقل بطريقة سلسة شفافة عبر قنوات لا يمكن قياسها لغير المتمرسين في مجال التربية والتعليم .
إن المعلم صاحب الرؤية ليس مشغولًا بالأسئلة التقليدية من قبيل: متى ينهي منهجه؟
وكيف يضع أسئلته؟ ومتى يختبر طلابه؟
بل هو غارق في تحقيق رؤيته وبنائها في نفوس طلابه لبنةً لبنةً بطريقته الخاصة المتفردة . ذلك إن الإجابة عن الأسئلة الروتينية السابقة ستتحقق تلقائيًا وبشكل مبدع إذا ما كانت تحت مظلة رؤية واعية قابلة للتحقيق على أرض الواقع.
ثانيًا : الهدف الثاقب
تزدحم المناهج بالكثير من المعلومات التي تتفاوت في أهميتها وارتباطها بصلب الدرس، لكن المعلم الناجح هو من يستطيع تحديد المعلومات التي يمكن أن تشكل أهدافا وِفقا لأهميتها في المسار الدراسي الطويل في حياة طلابه. فبعض المعلومات هي بنيةٌ لمعارف أخرى ستستمر مع الطلاب لمراحل أخرى ، وبعضها هام للحياة ، وبعضها مجرد إشارات ستتكرر لاحقًا . لهذا ينبغي للمعلم أن يكون ماهرًا في انتقاء المعلومة التي تكون هدفًا رئيسًا والتركيز عليها ، وما يتبعها من إثراء وتمحيص وإضافات ، ليحصل على درس بمكونات أقل وقيمة أكثر ثراء.
 ثالثًا : العلاقات الإنسانية
المودة واللطف هما أساس القبول ، ومنهما تنشأ قنوات الرغبة في التعلم . إن المعلم الذي يعتمد التخويف والترهيب أيا كان نوعه إنما يصنع معلومات وقتية تنهار بمجرد انتهاء الغرض منها، والتعليم الحقيقي منظومة مهارات نفسية وعقلية وحركية متناغمة لا يمكن أن يكتسبها الطالب في ظل شعوره بعدم القبول أو التهميش أو العنف اللفظي أو البدني أو غيرها من الأساليب الموجعة التي تحدث شرخًا في نفسية المتعلم وتبني بينه وبين تقبل المحتوى العلمي حاجزًا منيعًا. و هي أساليب يستحيل أن يتبناها معلم “عادي”، فما بالك بمعلم مميز يهدف في رؤيته إلى أن يكون قريبًا من طلابه يتعامل معهم بطريقة تنبئ عن حرصه عليهم واهتمامه بهم، يحترم وجودهم ومحاولاتهم ، ولا يقلل منها، و يحرص على دعم ثقتهم بأنفسهم وتقديرهم لذواتهم ويعلمهم احترام الآخر وتقبل الخطأ منه .
إن إحساس الطالب بقيمته في عملية التعلم هو أكبر دافع له من أجل أن يعمل بجد ، وكل الحوافز المادية ما هي إلا دعم مؤقت للاجتهاد ، يتوقف حماس الطالب عند انتهائها . أما الحافز الداخلي فهو المنجم الذي لا ينضب في أعماق كل فرد للحماس والدافعية للارتقاء والتطور والتعطش لتعلم المزيد ، لأن المتعلم كلما أحس بقيمته وبأنه شريك حقيقي في التعليم، وليس مجرد إناء تصب فيه المعلومات سيجتهد أكثر لإثبات قدرته في هذه الشراكة التي ستعكس آثارها النبيلة في فكره وشخصيته .
 رابعًا : التخطيط الجيد
المعلم المتميز ليس عجولًا في جني الثمار ، فالعجلة هي مولد التوتر الذي يشبه أرضية متزلزلة غير صالحة لثبات المعلومات ولا نموها ، يجب أخذ الوقت الكافي للتمهيد  والشرح والتوضيح وللمحاولة والخطأ، وكلها عمليات ليس شرطًا أن تتم في قاعة الدرس، وتتأتّى بأن يُهندِس المعلم الأنشطة التي تضمن تكرار المعلومات بأكثر من وسيلة ، وبالطريقة التي تناسب النمو العقلي والجسدي لطلابه ، كي يضمن رسوخها في أذهانهم ، وتدفعهم -لاحقا- ليبحثوا بأنفسهم عن إجابات لما يستجدُّ من أسئلة.
 خامسًا : تنوع الطرح
للمعلومة ألف باب يمكن أن يُطرق ، وذلك بفضل وسائل متعددة وأساليب لا تحصى . والمعلم الناجح يعلم أنه ليست هناك وسيلة محددة يمكن الحكم عليها بأنها تناسب الجميع ، ولذا فهو يستخدم وسائل مختلفة لكل مجموعة من مجموعات فصله ، كلٌّ بحسب قدراته وما يناسبه ، لأن المهم أنه في النهاية وبرغم تنوع الدروب هو الوصول إلى الوجهة المحددة بنجاح و برفقة الجميع.
سادسًا : رعاية الموهبة
الاختلاف بين البشر طبيعة لا تنكر سواء على المستوى العقلي أو النفسي أو التوجهات أو العاطفة… والمعلم الماهر هو من يراعي هذا الاختلاف ويسعى بمنهجه للوصول إلى نتائج واقعية مع طلابه ، على اختلاف مستوياتهم . فكما أنه يصمم أنشطة متنوعة خاصة للطالب الذي لم يستوعب المعلومة من المرة الأولى ، فهو أيضًا مهتم بفتح آفاق أوسع للطلاب الذين أظهروا تميزًا وذكاءً ، إنه يعمل بمثابة مرشد لهم مكتشف لمواهبهم وداعم لها ، لا يكتفي بإعطائهم ملامح مبسطة لما يحتاجون ، بل يأخذ بأيديهم ليثبتوا وجودهم في مشاركات قيمة لها وزنها الإقليمي والعالمي.
 سابعًا : استثمار التجارب
في التعليم ليس هناك تجربة مستهلكة وتجربة حديثة. إن أي طريقة تثبت فاعليتها ولو تقادم بها الزمن هي تجربة جديرة بالتبني والاستمرار ، وبالمقابل فكون التجربة حديثة وتلاقي صدى إعلاميًا لا يعني الاستمرار عليها إذا لم تثبت جدارتها في تحقيق الهدف ، إن الملاحظ للتعليم اليوم يرى أنه قد دخل في عالم الصَرَعَات ، وصار مسرحًا لأطروحات كثيرة بعضها تُستهلك نظريًا دون أن تقدم نتيجة حقيقية في الميدان . ولاشك أن المعلم البصير لن يكون متقوقعا على ذاته وأسلوبه ، بل هو متحفز للاطلاع على كل تجربة ملهمة، و هو في الوقت نفسه قادر على فرز المناسب منها بالنظر إلى نوع التجربة وملاءمتها لطلابه ولبيئته وفاعليتها في تحقيق التعلم بطريقة أسرع وأكثر إمتاعًا وفعالية .
هذه إذن أُسس يستطيع أن يبدأ بها أي معلم عمله ويضمن نجاحه وتميزه ويصقل ذلك بالخبرة والتجربة والرغبة في الإبداع، ويكون على يقين أن مخرجات التعليم لديه ستكون متفردة وعلى مستوى عالٍ من الإتقان والجودة والتميز.
remove_circleمواضيع مماثلة
لا يوجد حالياً أي تعليق
privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى