مدرس اون لايندخول

النصوص النثرية للثانوية العامة 2017


التكافل الاجتماعى في الإسلام
أحمد حسن الزيات بتصرف
عالج الإسلام الفقر علاج من يعلم أصل كل داء ومصدر كل شر وقد أوشك هذا العلاج أن يكون بعد توحيد الله أرفع أركان الإسلام شأنا وأكثر أوامره ذكرا وأوفر مقاصده عناية ولو ذهبت تتقصى ما نزل من الآيات وورد من الأحاديث في الصدقات والبر لحسبت أن رسالة الإسلام لم يبعث بها الله محمدا آخر الدهر إلا لينقذ الإنسانية من غوائل الفقر وجرائر الجوع وحسبك أن تعلم أن آى الصيام في الكتاب أربع وآى الحج بضع عشرة وآى الصلاة لا تبلغ الثلاثين أما أي الزكاة والصدقات فإنها تربو على الخمسين
كأنما اختار الله لكفاح الفقر أشح البلاد طبيعة وأشد الأمم فقرا ليصرعه في أمنع حصونه وأوسع ميادينه فإن الفقر إذا انهزم في فقار الحجاز كانت هزيمته في ريف مصر وسواد العراق أسرع وأسهل ثم اختار الله رسوله فقيرا ليكون أظهر لقوته كما اختاره أميا ليكون أبلغ لحجته
كانت جزيرة العرب إبان الدعوة العظمى مثلا محزنا لما يجنيه الفقر على بنى الإنسان من تضرية الغرائز وتمزيق العلائق ومعاناة الغزو ومكابدة الحرمان وقتل الأولاد وفحش الربا وأكل السحت وتطفيف الكيل وعنت الكبراء وأثرة الأغنياء وفقد الأمن وانحطاط المرء إلى الدرك الأسفل من حياة البهيم فلما أرسل الله رسوله بالهدى ودين الحق كانت معجزته الكبرى هذا الكتاب المحكم الذى جعل هذه الأشلاء الدامية جما شديد الأسر عام القوة ونسخ هذه النظم الفاسدة بدستور متين القواعد خالد الحكمة ثم كانت بوادر الإصلاح الإلهى أن قلم أظفار الفقر وأسا كلوم الفقراء وقمع جرائر البؤس فألف بين القلوب وآخى بين الناس وساوى بين الأجناس وعصم النفوس من القتل الحرام وطهر الأموال من الربا الفاحش ثم عالج الداء الأزلى نفسه بما لو أخذ به المصلحون لوقاهم شرور هذه الحروب التي أمضت حياة الناس وكفاهم أخطاء هذه المذاهب التي قوضت بناء المجتمع عالجه بالسفارة بين الغنى والفقير على أساس الاعتراف بحق التملك والاحتفاظ بحرية التصرف فلا يدفع مالك عن ملكه ولا يعارض حر في إرادته إنما جعل للفقير في مال الغنى حقا معلوما لا يكمل دينه إلا بأدائه ذلك الحق هو الركن الثالث من الأركان الخمسة التى بنى عليها الإسلام فلا هو فرع ولا نافلة ولا فضلة
كذلك عالج الفقر من طريق آخر غير طريق الزكاة والصدقات ... عالجه من طريق الكسر من حدة الشهوة والكف من سورة الطموح والغض من إشراف الطمع فرغب الغنى في الزهد وأمر الواجد بالقناعة ومدح الفقير بالتعفف
فلو أن كل إنسان أدى حق الله في ماله ثم استقاد لأريحية طبعه وكرم نفسه فأعطى من فضل وواسى من كفاف وآثر من قلة لكان ذلك عسيا أن يقر السلام في الأرض ويشيع الوئام في الناس فتهدأ ضلوع الحاقد وترقأ دموع البائس ويسكن جوف الفقير ويذهب خوف الغنى ويتذوق الناس في ظلال الرخاء سعادة الأرض ونعيم السماء

النص النثري الثالث
من كتاب المدرسة بالنص
قصة قصيرة
الكنيسة نورت
إبراهيم أصلان
زمان
كان النهر مكشوفا للعيان
وزمان
كان أهلى إمبابة يقضون سهراتهم طوال شهر رمضان على طول شاطئه الممتد
يغادرون الحوارى وهم يحملون الحصر والأوانى ، الأولاد يلعبون وهم يتسامرون ويشربون الشاي ، ويجمعون حوائجهم ساعة السحور ويعودون.
كانت عائلة العم منصور المسيحى تجاورنا سواء في البيت أو في قعدة الشاطئ ، وكانوا يساهمون في القروش القليلة التي يجمعها الأولاد من أجل تزيين الحارة ولا يفطرون إلا مع الآذان ، وكنا نتبادل ألواح الصاج التي نرص عليها الكعك والبسكويت والغريبة ، ونتبادل حملها إلى الفرن القريب ونظل حتى الصباح حيث يعود كل منا بألواحه ، ونتبادل الزيارة يوم العيد.
من أكثر صور تلك الأيام التصاقا بذاكرتى ، وذاكرة إبناء جيلى من أهالى المنطقة انتظارنا مدفع الإفطار على شاطئ النهر.
كنا نتجمع عشرات الأولاد على الحافة
وكان الشاطئ الممتد ينتهى بانحناء تحت كوبرى إمبابة الكبير وداخل هذه الانحناء كان مدفع رمضان الرابض لا يبين منه شيء لذلك لم نكن ننظر هناك بل كانت عيوننا مصوبة في ترقب عبر النهر إلى مبنى شبه مختف وراء الأشجار هناك في حى الزمالك
ويكون النهر طافحا والماء مثقلا بطميه الفوار
وتكون الدنيا صيفا والبلح الأحمر طلع
وتظل عيوننا معلقة بذلك المبنى شبه المختفى
فجأة تضاء نوافذه النحيلة المتباعدة عبر الفروع والأغصان
حينئذ نهلل جميعا في غناء موقع
الكنيسة نورت الكنيسة نورت
ومع ذلك النور المحمر النوافذ والغناء يطلق المدفع الرابض عند انحناء النهر طلقة قوية لها صدى
حينئذ نميل بأجسادنا إلى هناك ونرى دخانها الكثيف الأبيض وهو يغادر مخبأه
وبروح يسرح كثيفا على سطح الماء
والصديق إدوار الخراط اتصل يقول : كل سنة وأنت طيب وأنا سأتلته عن اسم تلك الكنيسة التي كان يمكن رؤيتها من إمبابة زمان وهو يقول إن الزمالك حيث يقيم لا يوجد بها إلا كنيسة العذراء بالمرعشلى
قلت لم أعد أراها قال إن المباني حجبتها

نموذج لفن المقال
لمحات من حياة العقاد

ولد العقاد في 28 يونيو عام 1889 بمدينة أسوان لأبوين عرفا بحب العزلة وطول الصمت والتقى فقد كانت أمه بالغة الذكاء وهى دءوب ولوع بالنظافة حريصة عليها أما والده فقد كان على رزانة فيه يؤدى عمله في جد وذكاء وكان أمين المحفوظات بأسوان
وفى أسوان حيث نشأ العقاد يلتقى الماضى السحيق بالحاضر ففي أسوان - خاصة في الشتاء – تلتقى أحداث صور الحضارة الحديثة بآثار الماضى العريق لا في المتاحف وحدها بل في البيوت فالحياة هي الحياة والوسائل هي الوسائل كأن كل شيء ثابت في مكانه ولم يتحرك إلا الزمن وفى ملتقى الحياتين نشأ العقاد فتح عينه على الفتاة الباريسية والليدى الإنجليزية ثم المرأة الأسوانية المحجبة حتى ليعجز المرء أن يعرف أمه في الطريق وهو وإن لم يعط هذا النقيض أهمية في طفولته إلا أنه قد لمسه الآن وملأ عليه إحساسه فقد منحه بسطة في الأفق كما أعطاه قابلية الإحساس بسعة الحياة وطبعه على الاستعداد للتقابل وعدم الإحساس بالتنافر
ومرة أخرى يتبدى فضل أسوان عليه فلما كانت مدينة سياحية بل مشتى علميا فقد غصت بالمكتبات لمنفعة السائحين وهى بالطبع عامرة بكتب الآثار والتاريخ والقصص والمجلات فكان العقاد يتردد عليها ويعب منها ما وسعته الطاقة والرغبة وكان ذا نفس طلعة يندس بين السائحين ويتحدث إليهم ليمرن على الكلام بالإنجليزية وقد مكن له من طلبته أيضا المجالس المختصة التي كان يدعى إليها فقد كان بعض الأجانب ممن يزرون معالم المدينة يدعون ناظر المدرسة والطلبة والمتقدمين فتسنى للعقاد في حداثته أن يجالس صفوة الأجانب رجالا ونساء ولا شك أن الأمر هاله بادئ ذي بدء ولكنه واجه الموقف واستفاد منه
إن فضل أسوان عليه – مدينة أثرية ومدينة عربية علميا – فضل لا يجحد وما هو بغافل عنه يقول العقاد عن أسوان في مذكراته ( كانت البلدة التي نشأت فيها بلدتى أسوان بأقصى الصعيد يكاد الناشئ في مثل سنى أن يأوى إلى صومعة من صوامع الفكر يقلب فيها وجوه النظر في كل ما يسنع أو يبصر من الشئون العامة بغير تضليل أو تهويل فلا تصل إلينا حتى تنكشف على جلاء
وفى ذلك الحين أيضا كان العقاد ينظم الشعر ويخصه بالوصف والعاطفة ومن ثم لم يؤثر عنه في باب المقال غير القليل من موضوعات النقد الاجتماعى أو موضوعات المقالة الوصفية أو العاطفية
وقد عاش العقاد بسن قلمه ومن سن قلمه إذ إن الوظائف الحكومية التي تولاها كان سرعان ما يضيق بها وفى الفترة ما بين 1912 و1914 الت عمل فيها بديوان الأوقاف لم يكن راضيا كل الرضا مع أن قلم السكرتارية في ذلك الديوان كان مزيجا من الصحافة والوظيفة وكان ديوان الأوقاف في تلك الحقبة يجمع الأدباء والشعراء من شيوخ وشباب فيه المويلحى أحمد الأزهرى صاحب مجلة الأزهر وأحمد الكاشف وعبد الحليم المصرى وعبد العزيز البشرى وحسين الجمل وإخوان هذا الطراز ومع هذا ما إن فاتح حافظ عوض العقاد في الإشراف على صفحة الأدب بصحيفة المؤيد حتى سارع إلى القبول على أنه لم يلبث أن استقال لسمة من سمات الكرامة في نظره وتقديره وكانت استقالته رابحة فقد خلا بعدها للقراءة  والتأليف
وحياة العقاد سلسلة طويلة من الكفاح .. الكفاح بكل أنواعه الكفاح الأدبى والسياسى والمادى أيضا فقد صارع الرجل الزمن والأحداث والسلطات في عهود شتى حتى استطاع أن يزحزح كل القوى المعرقلة وينفذ إلى مكانه الطبيعى في الحياة كان يقضى الليل يقرأ على ذبالة مصباح ويقضى النهار على وجبة واحدة من الخبز والجبن أو من الخبز والفول
وتعقبه في أعقاب الحرب العالمية الأولى الاستعمار والسلطات الممالئة له ولكنهم لم ينالوا منه شيئا غير أن أخرجوه من بلده أسوان واضطهدته الملكية حتى أودعته السجن وعرف مرارة السجن والجحود فعاش منفردا معتدا بنفسه كثيرا بشخصه الفرد غير آبه بمن يعيبون عليه التفرد أو العزلة أو الاعتداد
خلا للأدب والعلم مخلصا له وعاش بين كتبه لا يمل صحبتها ولا تمله كلاهما غنى لصاحبه وكفاء وقد انتظمت حياته على القراءة والكتابة وهو إما أن يستزيد وإما أن يزيد .....رفيقه كتاب هو قارئه أو هو كاتبه فليس غيره على الحالين صاحب وخدين
وللعقاد نفس طلعة ولوع بالمعرفة الإنسانية على اختلاف ألوانها يهطع إليها في مظانها وهو من أولئك العصاميين الذين ربوا أنفسهم وشقوا طريقهم في الحياة بسلاح الفطرة والموهبة الأصيلة التي يزيدها الصقل والموهبة والطموح تألقا ومضاء
وقد قرأ العقاد أمهات الكتب جميعا في العربية وهو يؤثر من كتابها ابن المقفع وصاحب الأغانى ومن الشعراء بالطبع ابن الرومى وآثر فنون المعرفة عند العقاد بالترتيب هي (أ) الشعر عربيا أو أجنبيا وما يتعلق به من نقد ودراسة (ب) البحث فيما وراء الطبيعة (ج) والاعلوم وهو يجيد من اللغات – غير العربية- الإنجليزية إجادة تامة حتى أنه إذا كتب في العربية تمثلت الجملة في ذهنه لأول وهلة إنجليزية ثم يخرجها على الورق عربية وذلك من طول قراءاته للإنجليزية وتشربه لها وإنه ليستعين بها على فهم الإيطالية والإسبانية اللتين يفهمهما بقدر ما هو مشترك بينهما وبين الإنجليزية أما الفرنسية فهو يعرفها لماما
وأسلوب العقاد أسلوب منطقى يعتمد على المقدمات والنائج حتى لتحس إزاء مقالته أن أفكارها مرتبة ترتيبا يتميز فيه البدء والختام قبل أن يخط فيها حرفا وهو أسلوب علمى ما لم تغلب عليه طبيعة الموضوع إن كان أدبا خالصا ومع ما لأسلوبه من الطابع العلمى إلا أنه يميل إلى الإيقاع ونهاية الفواصل في غير حشو أو قضول وهو يؤثر المعنى على اللفظ وإن كان يستهويه السجع أحيانا في موضوعات التهكم كما يختاره – على حد تعبيره- في الموضوعات الوجدانية وما إليها مما يلحق بالأغراض الشعرية فإن السجع ينبه الذهن إلى المعانى في هذه الأغراض ويزيدها جلاء وتوكيدا كأنه اللحن الذى يضيف إلى الكلمات ومعانيها قوة ليست للكلام الذى يسمع بغير لحن ولم تجن الصحافة على العقاد جنايتها على الأدباء فقد ظل أسلوب العقاد له طابعه الذى لا يتغير طابع الدراسة والاستقصاء والتمحيص وهذا صدى لفرديته واعتزازه بذاته حتى لتغلب شخصيته فلا تطغى عليه شخصية أخرى فردية أو معنوية
وقد توفى العقاد سنة 1967 وترك مائة كتاب وديوان شعر وقصة من تأليفه عنوانها سارة  
remove_circleمواضيع مماثلة
avatar
مشكووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووور
avatar
Professor كتب:

التكافل الاجتماعى في الإسلام
أحمد حسن الزيات بتصرف
عالج الإسلام الفقر علاج من يعلم أصل كل داء ومصدر كل شر وقد أوشك هذا العلاج أن يكون بعد توحيد الله أرفع أركان الإسلام شأنا وأكثر أوامره ذكرا وأوفر مقاصده عناية ولو ذهبت تتقصى ما نزل من الآيات وورد من الأحاديث في الصدقات والبر لحسبت أن رسالة الإسلام لم يبعث بها الله محمدا آخر الدهر إلا لينقذ الإنسانية من غوائل الفقر وجرائر الجوع وحسبك أن تعلم أن آى الصيام في الكتاب أربع وآى الحج بضع عشرة وآى الصلاة لا تبلغ الثلاثين أما أي الزكاة والصدقات فإنها تربو على الخمسين
كأنما اختار الله لكفاح الفقر أشح البلاد طبيعة وأشد الأمم فقرا ليصرعه في أمنع حصونه وأوسع ميادينه فإن الفقر إذا انهزم في فقار الحجاز كانت هزيمته في ريف مصر وسواد العراق أسرع وأسهل ثم اختار الله رسوله فقيرا ليكون أظهر لقوته كما اختاره أميا ليكون أبلغ لحجته
كانت جزيرة العرب إبان الدعوة العظمى مثلا محزنا لما يجنيه الفقر على بنى الإنسان من تضرية الغرائز وتمزيق العلائق ومعاناة الغزو ومكابدة الحرمان وقتل الأولاد وفحش الربا وأكل السحت وتطفيف الكيل وعنت الكبراء وأثرة الأغنياء وفقد الأمن وانحطاط المرء إلى الدرك الأسفل من حياة البهيم فلما أرسل الله رسوله بالهدى ودين الحق كانت معجزته الكبرى هذا الكتاب المحكم الذى جعل هذه الأشلاء الدامية جما شديد الأسر عام القوة ونسخ هذه النظم الفاسدة بدستور متين القواعد خالد الحكمة ثم كانت بوادر الإصلاح الإلهى أن قلم أظفار الفقر وأسا كلوم الفقراء وقمع جرائر البؤس فألف بين القلوب وآخى بين الناس وساوى بين الأجناس وعصم النفوس من القتل الحرام وطهر الأموال من الربا الفاحش ثم عالج الداء الأزلى نفسه بما لو أخذ به المصلحون لوقاهم شرور هذه الحروب التي أمضت حياة الناس وكفاهم أخطاء هذه المذاهب التي قوضت بناء المجتمع عالجه بالسفارة بين الغنى والفقير على أساس الاعتراف بحق التملك والاحتفاظ بحرية التصرف فلا يدفع مالك عن ملكه ولا يعارض حر في إرادته إنما جعل للفقير في مال الغنى حقا معلوما لا يكمل دينه إلا بأدائه ذلك الحق هو الركن الثالث من الأركان الخمسة التى بنى عليها الإسلام فلا هو فرع ولا نافلة ولا فضلة
كذلك عالج الفقر من طريق آخر غير طريق الزكاة والصدقات ... عالجه من طريق الكسر من حدة الشهوة والكف من سورة الطموح والغض من إشراف الطمع فرغب الغنى في الزهد وأمر الواجد بالقناعة ومدح الفقير بالتعفف
فلو أن كل إنسان أدى حق الله في ماله ثم استقاد لأريحية طبعه وكرم نفسه فأعطى من فضل وواسى من كفاف وآثر من قلة لكان ذلك عسيا أن يقر السلام في الأرض ويشيع الوئام في الناس فتهدأ ضلوع الحاقد وترقأ دموع البائس ويسكن جوف الفقير ويذهب خوف الغنى ويتذوق الناس في ظلال الرخاء سعادة الأرض ونعيم السماء

النص النثري الثالث
من كتاب المدرسة بالنص
قصة قصيرة
الكنيسة نورت
إبراهيم أصلان
زمان
كان النهر مكشوفا للعيان
وزمان
كان أهلى إمبابة يقضون سهراتهم طوال شهر رمضان على طول شاطئه الممتد
يغادرون الحوارى وهم يحملون الحصر والأوانى ، الأولاد يلعبون وهم يتسامرون ويشربون الشاي ، ويجمعون حوائجهم ساعة السحور ويعودون.
كانت عائلة العم منصور المسيحى تجاورنا سواء في البيت أو في قعدة الشاطئ ، وكانوا يساهمون في القروش القليلة التي يجمعها الأولاد من أجل تزيين الحارة ولا يفطرون إلا مع الآذان ، وكنا نتبادل ألواح الصاج التي نرص عليها الكعك والبسكويت والغريبة ، ونتبادل حملها إلى الفرن القريب ونظل حتى الصباح حيث يعود كل منا بألواحه ، ونتبادل الزيارة يوم العيد.
من أكثر صور تلك الأيام التصاقا بذاكرتى ، وذاكرة إبناء جيلى من أهالى المنطقة انتظارنا مدفع الإفطار على شاطئ النهر.
كنا نتجمع عشرات الأولاد على الحافة
وكان الشاطئ الممتد ينتهى بانحناء تحت كوبرى إمبابة الكبير وداخل هذه الانحناء كان مدفع رمضان الرابض لا يبين منه شيء لذلك لم نكن ننظر هناك بل كانت عيوننا مصوبة في ترقب عبر النهر إلى مبنى شبه مختف وراء الأشجار هناك في حى الزمالك
ويكون النهر طافحا والماء مثقلا بطميه الفوار
وتكون الدنيا صيفا والبلح الأحمر طلع
وتظل عيوننا معلقة بذلك المبنى شبه المختفى
فجأة تضاء نوافذه النحيلة المتباعدة عبر الفروع والأغصان
حينئذ نهلل جميعا في غناء موقع
الكنيسة نورت الكنيسة نورت
ومع ذلك النور المحمر النوافذ والغناء يطلق المدفع الرابض عند انحناء النهر طلقة قوية لها صدى
حينئذ نميل بأجسادنا إلى هناك ونرى دخانها الكثيف الأبيض وهو يغادر مخبأه
وبروح يسرح كثيفا على سطح الماء
والصديق إدوار الخراط اتصل يقول : كل سنة وأنت طيب وأنا سأتلته عن اسم تلك الكنيسة التي كان يمكن رؤيتها من إمبابة زمان وهو يقول إن الزمالك حيث يقيم لا يوجد بها إلا كنيسة العذراء بالمرعشلى
قلت لم أعد أراها قال إن المباني حجبتها

نموذج لفن المقال
لمحات من حياة العقاد

ولد العقاد في 28 يونيو عام 1889 بمدينة أسوان لأبوين عرفا بحب العزلة وطول الصمت والتقى فقد كانت أمه بالغة الذكاء وهى دءوب ولوع بالنظافة حريصة عليها أما والده فقد كان على رزانة فيه يؤدى عمله في جد وذكاء وكان أمين المحفوظات بأسوان
وفى أسوان حيث نشأ العقاد يلتقى الماضى السحيق بالحاضر ففي أسوان - خاصة في الشتاء – تلتقى أحداث صور الحضارة الحديثة بآثار الماضى العريق لا في المتاحف وحدها بل في البيوت فالحياة هي الحياة والوسائل هي الوسائل كأن كل شيء ثابت في مكانه ولم يتحرك إلا الزمن وفى ملتقى الحياتين نشأ العقاد فتح عينه على الفتاة الباريسية والليدى الإنجليزية ثم المرأة الأسوانية المحجبة حتى ليعجز المرء أن يعرف أمه في الطريق وهو وإن لم يعط هذا النقيض أهمية في طفولته إلا أنه قد لمسه الآن وملأ عليه إحساسه فقد منحه بسطة في الأفق كما أعطاه قابلية الإحساس بسعة الحياة وطبعه على الاستعداد للتقابل وعدم الإحساس بالتنافر
ومرة أخرى يتبدى فضل أسوان عليه فلما كانت مدينة سياحية بل مشتى علميا فقد غصت بالمكتبات لمنفعة السائحين وهى بالطبع عامرة بكتب الآثار والتاريخ والقصص والمجلات فكان العقاد يتردد عليها ويعب منها ما وسعته الطاقة والرغبة وكان ذا نفس طلعة يندس بين السائحين ويتحدث إليهم ليمرن على الكلام بالإنجليزية وقد مكن له من طلبته أيضا المجالس المختصة التي كان يدعى إليها فقد كان بعض الأجانب ممن يزرون معالم المدينة يدعون ناظر المدرسة والطلبة والمتقدمين فتسنى للعقاد في حداثته أن يجالس صفوة الأجانب رجالا ونساء ولا شك أن الأمر هاله بادئ ذي بدء ولكنه واجه الموقف واستفاد منه
إن فضل أسوان عليه – مدينة أثرية ومدينة عربية علميا – فضل لا يجحد وما هو بغافل عنه يقول العقاد عن أسوان في مذكراته ( كانت البلدة التي نشأت فيها بلدتى أسوان بأقصى الصعيد يكاد الناشئ في مثل سنى أن يأوى إلى صومعة من صوامع الفكر يقلب فيها وجوه النظر في كل ما يسنع أو يبصر من الشئون العامة بغير تضليل أو تهويل فلا تصل إلينا حتى تنكشف على جلاء
وفى ذلك الحين أيضا كان العقاد ينظم الشعر ويخصه بالوصف والعاطفة ومن ثم لم يؤثر عنه في باب المقال غير القليل من موضوعات النقد الاجتماعى أو موضوعات المقالة الوصفية أو العاطفية
وقد عاش العقاد بسن قلمه ومن سن قلمه إذ إن الوظائف الحكومية التي تولاها كان سرعان ما يضيق بها وفى الفترة ما بين 1912 و1914 الت عمل فيها بديوان الأوقاف لم يكن راضيا كل الرضا مع أن قلم السكرتارية في ذلك الديوان كان مزيجا من الصحافة والوظيفة وكان ديوان الأوقاف في تلك الحقبة يجمع الأدباء والشعراء من شيوخ وشباب فيه المويلحى أحمد الأزهرى صاحب مجلة الأزهر وأحمد الكاشف وعبد الحليم المصرى وعبد العزيز البشرى وحسين الجمل وإخوان هذا الطراز ومع هذا ما إن فاتح حافظ عوض العقاد في الإشراف على صفحة الأدب بصحيفة المؤيد حتى سارع إلى القبول على أنه لم يلبث أن استقال لسمة من سمات الكرامة في نظره وتقديره وكانت استقالته رابحة فقد خلا بعدها للقراءة  والتأليف
وحياة العقاد سلسلة طويلة من الكفاح .. الكفاح بكل أنواعه الكفاح الأدبى والسياسى والمادى أيضا فقد صارع الرجل الزمن والأحداث والسلطات في عهود شتى حتى استطاع أن يزحزح كل القوى المعرقلة وينفذ إلى مكانه الطبيعى في الحياة كان يقضى الليل يقرأ على ذبالة مصباح ويقضى النهار على وجبة واحدة من الخبز والجبن أو من الخبز والفول
وتعقبه في أعقاب الحرب العالمية الأولى الاستعمار والسلطات الممالئة له ولكنهم لم ينالوا منه شيئا غير أن أخرجوه من بلده أسوان واضطهدته الملكية حتى أودعته السجن وعرف مرارة السجن والجحود فعاش منفردا معتدا بنفسه كثيرا بشخصه الفرد غير آبه بمن يعيبون عليه التفرد أو العزلة أو الاعتداد
خلا للأدب والعلم مخلصا له وعاش بين كتبه لا يمل صحبتها ولا تمله كلاهما غنى لصاحبه وكفاء وقد انتظمت حياته على القراءة والكتابة وهو إما أن يستزيد وإما أن يزيد .....رفيقه كتاب هو قارئه أو هو كاتبه فليس غيره على الحالين صاحب وخدين
وللعقاد نفس طلعة ولوع بالمعرفة الإنسانية على اختلاف ألوانها يهطع إليها في مظانها وهو من أولئك العصاميين الذين ربوا أنفسهم وشقوا طريقهم في الحياة بسلاح الفطرة والموهبة الأصيلة التي يزيدها الصقل والموهبة والطموح تألقا ومضاء
وقد قرأ العقاد أمهات الكتب جميعا في العربية وهو يؤثر من كتابها ابن المقفع وصاحب الأغانى ومن الشعراء بالطبع ابن الرومى وآثر فنون المعرفة عند العقاد بالترتيب هي (أ) الشعر عربيا أو أجنبيا وما يتعلق به من نقد ودراسة (ب) البحث فيما وراء الطبيعة (ج) والاعلوم وهو يجيد من اللغات – غير العربية- الإنجليزية إجادة تامة حتى أنه إذا كتب في العربية تمثلت الجملة في ذهنه لأول وهلة إنجليزية ثم يخرجها على الورق عربية وذلك من طول قراءاته للإنجليزية وتشربه لها وإنه ليستعين بها على فهم الإيطالية والإسبانية اللتين يفهمهما بقدر ما هو مشترك بينهما وبين الإنجليزية أما الفرنسية فهو يعرفها لماما
وأسلوب العقاد أسلوب منطقى يعتمد على المقدمات والنائج حتى لتحس إزاء مقالته أن أفكارها مرتبة ترتيبا يتميز فيه البدء والختام قبل أن يخط فيها حرفا وهو أسلوب علمى ما لم تغلب عليه طبيعة الموضوع إن كان أدبا خالصا ومع ما لأسلوبه من الطابع العلمى إلا أنه يميل إلى الإيقاع ونهاية الفواصل في غير حشو أو قضول وهو يؤثر المعنى على اللفظ وإن كان يستهويه السجع أحيانا في موضوعات التهكم كما يختاره – على حد تعبيره- في الموضوعات الوجدانية وما إليها مما يلحق بالأغراض الشعرية فإن السجع ينبه الذهن إلى المعانى في هذه الأغراض ويزيدها جلاء وتوكيدا كأنه اللحن الذى يضيف إلى الكلمات ومعانيها قوة ليست للكلام الذى يسمع بغير لحن ولم تجن الصحافة على العقاد جنايتها على الأدباء فقد ظل أسلوب العقاد له طابعه الذى لا يتغير طابع الدراسة والاستقصاء والتمحيص وهذا صدى لفرديته واعتزازه بذاته حتى لتغلب شخصيته فلا تطغى عليه شخصية أخرى فردية أو معنوية
وقد توفى العقاد سنة 1967 وترك مائة كتاب وديوان شعر وقصة من تأليفه عنوانها سارة  
avatar
شكراااااااااااااااااااا
privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى