مدرس اون لايندخول

نص قصة نظرة كاملا بشكل جديد مستر المسورى


التعريف بالكاتب :
ولد يوسف إدريس فى إحدى قرى محافظة الشرقية سنة 1927 وتخرج فى كلية الطب سنة 1951  ولكن حبه للأدب طغى على حبه للطب ، وقد التفت إلى جوانب ميزته فى فن القصة القصيرة وظهرت له أول مجموعة قصصية سنة 1954 بعنوان "أرخص ليالى" – التى منها قصة "نظرة" هذه – وقد توفى فى أغسطس سنة 1991.
موضوع القصة:
طفلة فقيرة ضعيفة تعمل خادمة قابلت الكاتب و هى تحمل "صينية بطاطس" و"حوض فطائر " طلبت من الكاتب أن يعدل لها وضع الصينية حتى تستطيع السير فلفت هذا المشهد نظر الكاتب ، وأثار عنده أبعاداً اجتماعية وسجل ذلك فى تلك القصة التى سماها "نظرة" .
نص القصة:
كان غريباً أن تسأل طفلة صغيرة مثلها إنساناً كبيراً مثلى لا تعرفه – فى بساطة وبراءة – أن يعدل من وضع ما تحمله وكان ما تحمله معقداً حقاً ، ففوق رأسها تستقر "صينية بطاطس بالفرن" وفوق هذه الصينية الصغيرة يستوى حوض واسع من الصاج مفروش بالفطائر المخبوزة ، وكان الحوض قد انزلق رغم قبضتها الدقيقة التى استماتت عله حتى أصبح ما تحمله كله مهدداً بالسقوط.
ولم تطل دهشتى وأنا أحدق فى الطفلة الصغيرة الحيرى وأسرعت لإنقاذ
الحمل . وتلمست سبلا كثيرة وأنا أسوى الصينية فيميل الحوض وأعدل من وضع الصاج فتميل الصينية . ثم أضبطهما معاً فيميل رأسهما هي ولكنني نجحت أخيراً في تثبيت الحمل وزيادة في الاطمئنان نصحتها أن تعود إلي الفرن –وكان قريباً –حيث تترك الصاج وتعود فتأخذه0
ولست أدري ما دار في رأسها فما كنت أري لها رأساً وقد حجبه الحمل ، كل ما حدث أنها انتظرت قليلاً لتتأكد من قبضتها ثم مضت وهي تغمغم بكلام كثير لم تلتقط أزني منة إلا كلمة ستي0
ولم أحول عيني عنها وهي تخترق الشارع العريض المزدحم بالسيارات ولا عن ثوبها القديم الواسع المهلهل الزي يشبه قطعة القماش التي ينظف بها الفرن أو حتي عن رجليها اللتين كانتا تطلان من ذيله الممزق كمسمارين رفيعين0
ورقبتها في عجب وهي تنشب قدميها العاريتين كمخالب الكتكوت في الأرض وتهتز وهي تتحرك ثم تنظر هنا وهناك بالفتحات الصغير الداكنة السوداء في وجهها وتخطو خطوات ثابتة قليلة وقد تتمايل بعض الشيء ولكنها سرعان ما تستأ نف المضى.
راقبتها طويلاً حتي امتصتني كل دقيقة من حركاتها ، فقد كنت أتوقع فى كل ثانية أن تحدث الكارثة ، وأخير استطاعت الخادمة الطفلة أن تخترق الشارع المزدحم فى بطء كحكمة الكبار .
واستأنفت سيرها على الجانب الآخر ، وقبل أن تختفى شاهدتها تتوقف ولا تتحرك وكادت عربة تدهمنى وأنا أسرع لإنقاذها وحين وصلت كان كل شئ على ما يرام ، والحوض والصينية فى أتم اعتدال ، أما هى فكانت واقفة فى ثبات تتفرج وجهها المنكمش الأسمر يتابع كرة من المطاط يتقاذفها أطفال فى مثل حجمها وأكبر منها ، وهم يهللون ويصرخون ويضحكون ، ولم تلحظنى ولم تتوقف كثيراً ، فمن جديد راحت مخالبها الدقيقة تمضى بها ، وقبل أن تنحرف استدارات على مهل واستدار الحمل معها ، وألقت على الكرة والأطفال نظرة طويلة ، ثم ابتلعتها الحارة .

اللغويات:
يستوى : يستقر قبضتها الدقيقة يدها الصغيرة
استماتت : يريد أحدق نظر بتأمل ودقة
الحيرى : الحائرة والمذكر حيران تلمست طلبت
سبلاً طرقاً ، جمع سبيل أدرى أعرف
حجبه أخفاه تغمغم تقول كلاماً غير واضح
ستى أى سيدتى المهلهل الممزق
تطلان تظهران تنشب تثبت وتدخل
سرعان:اسم فعل ماض بمعنى سرع تستأنف تبدأ مرة أخرى
المضى الاستمرار فى السير الكارثة المصيبة
امتصتنى المراد أخذتنى وجذبتنى تدهمنى المراد تصطدم بى
يرام يُطلب تتفرج المراد تشاهد
المنكمش النحيل تنحرف تميل
ابتلعتها المراد أخفتها
الشرح:
خادمة تحمل صينية بطاطس وحوضاً به فطائر طلبت من الكاتب أن يعدل لها هذا الحمل ، فأسرع لمساعدتها ونصحها أن تعود إلى الفرن ، لتترك الصاج وتذهب بالصينية أولاً ثم تعود لتأخذه ، ولكن الطفلة خافت من "سيدتها" التى تعمل عندها ، فلم تعمل بالنصيحة ، وانطلقت فى الشارع تسير بملابسها القذرة على قدميها العاريتين ، حتى صارت على الجانب الآخر ، فتوقفت فأسرع الكاتب لإنقاذها حتى كادت أن تصدمه عربة ، ولكنه حين وصل وجدها هى وحملها بخير ، فقد وقفت لتشاهد الأطفال وهم يلعبون ويصيحون ويضحكون ، وكأنها تتمنى أن تصنع مثلهم ، ولكنها لا تستطيع أن تتوقف أكثر من ذلك ، فانطلقت بعد أن نظرت إلى الأطفال نظرة طويلة ودخلت الحارة .
البديع: غير متكلف ، الطباق بين (صغيرة ، كبيراً) (أسوى ، يميل) (تترك ، تأخذ) (أرى ، حجبه) (انتظرت ، مضت)
الأسلوب : خبرى غرضه الإشفاق ولفت النظر للطبقة المطحونة.
تحليل القصة :
كى نحلل القصة لابد أن نتعرف على المقومات الفنية للقصة القصيرة ونحاول تطبيقها على تلك القصة ، وتلك المقومات هى :-
1-مبدأ الوحدة 2- مبدأ التكثيف 3- تفاصيل الإنشاء
أولاً: مبدأ الوحدة :
ويشمل وحدة الدافع ووحدة الحدث ووحدة الفكرة ووحدة الموقف ووحدة الهدف ثم وحدة الانطباع ، وقد تحقق مبدأ الوحدة فى هذه القصة .
فالدافع واحد نبع من حادثة واحدة وهى سؤال الطفلة للكاتب أن يسوى لها ما تحمل ، فتولدت عنده فكرة واحدة وهى [التعبير عن معاناة الطفلة الصغيرة الخادمة] وقد ظهرت الفكرة من خلال موقف واحد هو [ موقف الطفلة الخادمة وهى تحمل صينية البطاطس وحوض الفطائر ] وقد عالج الكاتب الفكرة حتى نهايتها ليصل إلى هدف واحد وهو [ التلميح إلى قضايا الطبقة المطحونة ] ، وبذلك تمكن الكاتب من توصيل انطباع محدد وهو  [ضرورة الإحساس بتلك الطبقة وظروفها ] ، كما راعى أيضاً وحدة الشخصية وهى الخادمة الطفلة ، أما الكاتب فهو يقوم بدور الراوى للأحداث .
ولكى يتم للكاتب بناء هذه الوحدة ، فلابد أن تكون كل كلمة فى القصة فى موضعها ، ولها مغزاها من أول كلمة إلى آخر كلمة ، ويجب أن تكون هذه الكلمات مدببة نحو الهدف ، ولعلنا نلاحظ ذلك من عنوان القصة "نظرة" فقد ارتبط هذا العنوان بالجو العام الذى تضفيه القصة من أولها إلى آخرها ، لأن هذا العنوان يدل على :
1- نظرة الطفلة الخادمة إلى الأطفال الذين هم فى سنها يمرحون ويهللون ويضحكون .
2- نظرة الكاتب إلى الطفلة الخادمة من ناحية ونظرته إلى الواقع الاجتماعى من ناحية أخرى ، وهو يستهدف أخيراً التلميح إلى قضايا هذه الطبقة المطحونة .
- ولكى يحكم الكاتب النسيج ، ويحافظ على توصيل انطباع محدد ، ارتبط العنوان بما انتهت إليه القصة ، من حيث إنّ الطفلة الخادمة ألقت نظرة طويلة على الكرة والأطفال ، لأنهما يمثلان "الحلم" و "الأمل" ، فهى بالرغم مما تعانيه واقعياً إلا أن الكاتب لم يجعل حياتها خالية من الحلم ومن الأمل ، فهى تحلم بأن تعيش هذه اللحظة التى يعيشها الأطفال الصغار ، وتأمل أن تلعب بالكرة كما يلعبون ، وهذا الحلم هو اللحظة السعيدة فى حياتها "هذه هى نظرة الطفلة".
- أما الكاتب فقد نظر إلى الطفلة وهى تسير حافية القدمين "تنشب قدميها العاريتين كمخالب الكتكوت فى الأرض " فأظهرت نظرته أنها ليست كالأطفال الذين خلعوا أحذيتهم بالإرادة ليلعبوا ، فشتان بينهم وبينها فهم قد خلعوا أحذيتهم بإرادتهم ، أما هى فإنها حافية القدمين بقوة الظروف الاجتماعية والاقتصادية التى حالت أن يكون لها حذاء ، وهكذا فقد ارتبط العنوان بالجو العام ، ومن البداية إلى النهاية ، وقد جاء منسجماً مع وحدة الانطباع التى يستهدفها الكاتب ، وبذلك تحقق مبدأ "الوحدة" .
ثانياً: مبدأ التكثيف:
القصة القصيرة لابد أن تكون مكثفة ومركزة جداً فى معالجتها للموضوع وقد اتسمت هذه القصة بالتكثيف والتركيز والاقتصاد الواضح فى الوصف وعدم الثرثرة والاستطراد ، ولعل ذلك
يظهر  واضحاً فى أن الكاتب استخدم كلمة واحدة وهى كلمة "ستى" لتدل على مدى "القهر" الذى تحياه الطفلة وعلى مدى الظلم الاجتماعى الواقع عليها ، وعلى مصدر هذا كله ، فكلمة "ستى" تدل على أن الطفلة لا تملك التحكم فى مصيرها وحاضرها وأنها لم تقم برغبتها بتحمل
كل هذا العبء ولكن كان ذلك بالرغم منها ، ويلاحظ أن كلمة "ستى" لخصت حال القهر الاجتماعى الذى تحياه الطفلة بكل تركيز فالطفلة لم تشك ولم تخطب ، ولم تقل كلاماً صارخاً حاداً ولم تسرف فى الحديث عن الظلم الاجتماعى والتناقض الطبقى كما أن الكاتب لم يخطب ولم يزعق ولم يستغل الفرصة لإعلان اختفاء العدل والمساواة ، ووجود فئات وطبقات مقهورة
،وأخرى قاهرة لأنها تملك وتتحكم فى الواقع لا الطفلة شكت ولا الكاتب خطب – بل جاءت كلمة "ستى" مركزة كل التركيز إلى الهدف ومتمشية كلية مع الطبيعة الفنية للقصة القصيرة ، بل إن الكاتب لو خرج عن ذلك وراح يخطب ويسرف فى الحديث عن الظلم الاجتماعى ، لخرجت قصته عن طبيعتها الفنية ، كما يلاحظ التركيز والتكثيف أيضا فى اللحظة التى اختارها الكاتب فى حياة الطفلة ، فالكاتب لم يتحدث طويلاً عن تاريخ حياتها ولا عن نشأتها ، ولم يصور لنا يوماً كاملاً منذ البكور حتى  آخر الليل ، ولكنه انتخب هذه اللحظة وهذا الموقف ، وسلط أضواءه القوية عليه.

ثالثاً: مبدأ تفاصيل الإنشاء :
استلزمت الوحدة الفنية – من أجل تحقيق مبدأ الوحدة ومبدأ التكثيف – أن تختفى التفاصيل والجزئيات وذلك لأنها لا تهم فى عملية البناء ، بل إنها تحول دون التأثير المطلوب ، فمثلاً حينما أراد الكاتب أن يقارن بين الطفلة والأطفال الآخرين ، ركز على القدمين  : "قدمان عاريتان " رجلاها اللتان كانتا تطلان كمسمارين رفيعين ، واختيار القدمين اختيار دقيق ومركز لأنهما هما اللتان يستخدمها الطفل فى لعب الكرة فالقدمان عاريتان من ناحية وهذا "قهر اجتماعى" وتشبهان مسمارين رفيعين وهذا "فقر" كما يلاحظ أن الفقرة الأولى فى القصة جعلت القارئ يعيش المشكلة لأنها ألمحت إلى المعاناة التى تعانيها الطفلة ، وحددت العلاقة بينها وبين الراوى

وهناك نقاط خاصة فى تفاصيل البناء والإنشاء ، نوجزها فيما يلى:
1-الحوار:
قد يشعر القارئ أن هذه القصة خالية من الحوار لكن التأمل العميق والاستقراء الدقيق لكل كلمة يؤديان إلى الإحساس بأن القصة حافلة بالحوار الصامت غير المنطوق وهو حوار قوى مؤد  ، ويمكن أن نشعر بهذا الحوار الصامت من المواقف الآتية :-
• سؤال الطفلة للراوى أن يساعدها فى أن تحمل ما تحمل .
• نصح بالكاتب لها أن تعود إلى الفرن .
• غمغمتها بالحديث والحوار المركز فى قولها "ستى".
• الحوار الداخلى فى نفس الكاتب ، وهو ينظر إلى الطفلة وهى تخترق الشارع بثوبها المهلهل ورجليها العاريتين.
• الحوار الداخلى فى نفس الطفلة وهى تنظر إلى الأطفال وهم يلعبون الكرة.
2-الصراع: وقد ظهر فى هذه القصة "صراع" داخلى نلمحه فى المواقف الآتية:
• صراع فى نفس الكاتب حينما رأى الطفلة ولمس حاله.
• صراع فى نفس الطفلة وهى تحرص على توصيل الحمل مرة واحدة خوفاً من "ستها"
• صراع فى نفس الطفلة وهى تنظر إلى الأطفال وهم يلعبون بالكرة ، وتمنيها أن تشاركهم.

3-الشخصيات:
الشخصية المحورية فى القصة "الطفلة" فهى بطلة القصة ، أما الكاتب فله دور ثانوى فهو يقوم بالرواية فقط … ولعلنا نتساءل هنا : هل وجود شخصية الراوى هنا – كاشفاً لسفوره الذى ينبغى ألا يكون له دور ملحوظ – طاغ على بناء القصة القصيرة ؟
والجواب: إن وجود شخصية الراوى هنا لا تطغى على بناء القصة وذلك لأن الكاتب لم يجعل الراوى مركزاً محورياً يستقطب الحركة ويهيمن على القصة ولم يتحدث بلسانه معلقاً على الحدث أو معلناً رأيه أو لافتاً النظر إلى شئ أو مبدياً وجهة نظر خاصة .. فالشخصية المحورية هنا هى "الطفلة" ووجود الراوى هو مجرد انعكاس وظل لها .. فالكاتب موجود وغير موجود فى وقت واحد لأنه لا يسيطر على الشخصية ولا على الموقف بأى شكل من الأشكال ، ولا يطغى وجوده بما يهدم البناء ويمزق النسيج المحكم ، شأنه فى ذلك شأن "الملقن" فى المسرح فكل المشاهدين يعلمون مسبقاً أن "الملقن" فى المسرح موجود لأن وجوده ضرورى ومهم ولكن صوته ينبغى ألا يرتفع لأنه إذا ارتفع ووصل إلى سمع المشاهدين اختل البناء الفنى المسرحى وانصرف الجمهور عن متابعة الحركة والحدث والشخصيات والتفتوا إلى الملقن .
4-التشويق :
وهو أساس المتعة الفنية ، ولم تغفل القصة عنصر التشويق وذلك لأن القصة حافلة بالحركة والدراما ، يبدو ذلك من تتبع الكاتب لما يصدر عن الطفلة من حركة محسوبة دقيقة متطورة نامية .. فالحديث يدور عن الطفلة ، وشخصية الطفلة أخذت تنمو شيئاً فشيئاً ، حتى تبرز فى غاية وضوحها عندما كشف عن نظراتها الطويلة للأطفال وهم يلعبون .
5-الصدق :
القصة القصيرة يجب أن تكون صادقة مع الواقع مقنعة فى كل عناصرها وتفصيلاتها .. وقد تحقق ذلك فى قصة "نظرة" لأن هدف الكاتب فيها هو لفت الأنظار إلى الطبقة المطحونة ، وقد استطاع الكاتب أن يقول فى ثنايا قصته هذه كل ما أراد أن يقوله فى شكل فنى محكم دون أن يخطب أو يزعق ، وقد جاءت تلك القصة مقنعة فى كل عناصرها وتفصيلاتها ، فى عنوانها "نظرة" وفى مقارنة الطفلة بالأطفال ، وفى حلمها أن تتفرج بالرغم من واقعها المأزوم ، وفى الحوار الصامت ، وفى الصرع وفى وحدة الشخصية وغير ذلك .. مما يحقق لها عنصر الصدق
remove_circleمواضيع مماثلة
لا يوجد حالياً أي تعليق
privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى