بدلاً من أن تناقش وزارة التربية والتعليم الأسباب التي أدت إلى انتشار مراكز الدروس الخصوصية وتحاول أن تحل هذه المشكلة ، وأن توجد البديل للدروس الخصوصية بتوفير تعليم جيد ، لجأت الوزارة إلى حيلة أخرى ستتسبب في مشاكل لا حصر لها ، ولن تستطيع مواجهتها ؛ حيث قررت تطبيق الضبطية القضائية للمعلمين !!! ، وعندما تصدينا لقرار الضبطية القضائية لمخالفته للقانون ، لأن الضبطية القضائية لا تكون إلا في الجرائم ، والدروس الخصوصية ليست جريمة ، قامت الوزارة بإعداد مشروع قانون لتجريم الدروس الخصوصية !!! ، والمسودة التي أعدتها الوزارة لقانون تجريم الدروس الخصوصية ، ليس لها صلة بالقوانين ولا بالتشريعات من قريب ولا من بعيد ، فالمسودة كلها عوار دستوري وقانوني ، فالدستور ساوى بين جميع فئات المجتمع ، وهذا القانون يُجرم الدروس الخصوصية ، في الوقت الذي توجد فيه عيادات خاصة للأطباء ، ومكاتب استشارات قانونية لمن يعملون بالحكومة ، والمفروض الذي يعمل في المجمعات الاستهلاكية ليس له الحق في العمل في محل بقالة أو سوبر ماركت آخر اليوم ، وهكذا بالنسبة لجميع العاملين بالحكومة ، بل الأغرب أن هذا القانون المزعوم سيعاقب المعلمين المعينين في الحكومة فقط ، أما المعلمين الذين يعملون في مدارس خاصة فلن ينطبق عليهم القانون ، بل ولن ينطبق على من يعطون دروساً خصوصية وهم ليسوا معلمين !!! ، يعني المحامي والمهندس وخريج التجارة والزراعة والآداب ....الذي لايعمل مدرساً حكومياً فمسموح له أن يقوم بالتدريس في مراكز الدروس الخصوصية !!!! ، وهذا الكلام لا يرتقي لمستوى القوانين ، ولا لمستوى نشرة من مدير إدارة تعليمية لمديري المدارس ، ولا يرتقي لمستوى حديث دردشة أو فضفضة بين الأصدقاء في جلسات خاصة ، وإنما ما ورد في المسودة المنشورة على بعض المواقع الالكترونية ، هو عبارة عن كلام قاله أصحابه بعد عزومة وز وبط وفطير مشلتت !!! ، ففي هذه المسودة الدروس الخصوصية غير مُجرمة بدليل أنهم سمحوا لمدرسي المدارس الخاصة بمزاولتها ، وأيضاً معلمي الحصة وغيرهم من الغير معينين في مدارس الحكومة !!! ، فهل هناك جريمة حلال على البعض وحرام على البعض الآخر ؟ !!! ، والعقوبة غريبة من : 5 إلى 15 سنة سجن !!!! ، وغرامة من 10 إلى 100 ألف جنيه لمن يتم ضبطه متلبساً بإعطاء الدروس الخصوصية !!! ، حتى جرائم القتل في كثير منها لا تصل العقوبة إلى 15 سنة ولا تصل الغرامة في الجنايات إلى 100 ألف جنيه !!! .
صحيح أن هذه المسودة لقانون تجريم الدروس الخصوصية لن يتم الموافقة عليها في مجلس النواب ، لأنها ليس لها صلة بالقوانين كما سلف ذكره ، ولكن أنا قرأت من خلال السطور أن الوزارة تريد مواجهة الدروس الخصوصية ، وتريد تطوير التعليم لكن لا تعلم من أين تبدأ ، فأسهل وسيلة ( من وجهة نظر الوزارة ) هي معاقبة المدرس الحكومي الذي لها سلطان عليه ، أما مُدرسي المدارس الخاصة ومافيا مراكز الدروس الخصوصية من غير المتخصصين ، فلن تستطيع مواجهتهم !!! ، فالوزارة أعلنت عن أن هناك خطة استراتيجية : 2014 / 2030 تم إنفاق الملايين عليها وثبت مع الأيام فشلها ، ولم يتم تفعيلها ، ثم أعطى رئيس الجمهورية تعليماته لوزير التربية والتعليم بتعديل المناهج ، وأثناء عقد الورش لتعديل المناهج ، البعض طالب بتبني مدرسة من المدارس الأجنبية في التعليم وعرضوا للتجربة السنغافورية والألمانية والإنجليزية والفرنسية والماليزية والأمريكية ، والبعض رأى أن يتم تعديل المناهج القائمة في مادتي الرياضيات والعلوم فقط !!! ، وأثناء زيارة رئيس الجمهورية لليابان أعلن تبني التجربة اليابانية في التعليم !!! ، لكن وزارة التربية والتعليم كان لها رأي آخر ، وهو أن الحل في تطوير التعليم ، هو تجريم الدروس الخصوصية !!! .
وقد قدمنا خططاً لإصلاح منظومة التعليم لوزراء التربية والتعليم ، ولرؤساء الحكومة المتعاقبين ولرؤساء الجمهورية ، ولكن انتهى الموضوع بمسودة قانون ليست لها صلة لا بالقوانين ولا بالتطوير .
وأصبحنا الآن فيما يخص تطوير التعليم نعيش فيما يشبه فيلم الآنسة حنفي : فالبطل واحد راجعي يجبروه على الزواج من بنت مرات أبوه ، وليلة الدخلة يصاب بمغص ، يتم إجراء عملية له فيتقلب واحدة ست !!! ، يتصارع على حبها اثنان من أصدقائه الرجال ، يتقدم أحدهما للزواج منه فيرفض الأب الموافقة على زواجه ، فيهربا معاً ويتزوجا ، ويعودا للحارة بعد فترة ليفاجأ المشاهد بأن الآنسة حنفي حامل وتضع توأماً ، ويتكرر إنجابها للتوائم في الوقت الذي يصاب صديقها الآخر الذي لم يتزوجها يصاب بحالة إكتئاب وأمراض نفسية لعدم زواجه من الآنسة حنفي !!! .
فالعلاقة بين تطوير التعليم وفيلم الآنسة حنفي : هو أن كلاهما ممل ، وكلاهما بدون هدف ، وكلاهما أفقد الجمهور الثقة في القائمين عليه ، لكن النتيجة الأكبر هي أن محدش فاهم حاجة !!! .
دكتور محمد زهران - مؤسس تيار استقلال المعلمين ...