مدرس اون لايندخول

أمل أبو ستة: التعليم مشروع قومى شديد الأهمية والتمسك بحق التعليم المجانى والاهتمام بتطويره هو السبيل الوحيد لضمان ذلك الحق لمجتمع

أمل أبو ستة: التعليم مشروع قومى شديد الأهمية والتمسك بحق التعليم المجانى والاهتمام بتطويره هو السبيل الوحيد لضمان ذلك الحق لمجتمع V45
وبغض النظر عن أن مستوى التعليم فى بلدنا ــ الخاص منه والحكومى ــ فى مجمله لا يرقى إلى مستوى التعليم فى البلدان المتقدمة ولا يحقق هدفه فى تأهيل الفرد لسوق العمل وتسليحه بملكات التفكير النقدى، إلا أن الهوة تتسع بين معسكرى التعليم الخاص والمجانى على نحو يجعل أصابع الاتهام تشير إلى التعليم المجانى وتلحق به العار، وتنال من حق كفلته دساتير مصر عبر عقود.

ويأتى هذا الوضع على طبق من فضة لأصحاب المصالح من المستفيدين من التوسع فى التعليم الخاص فى مصر بدءا برجال الأعمال أصحاب المنشآت التعليمية الخاصة أو الراغبين فى إنشاء المزيد منها مرورا بطبقة برجوازية لا تريد أن تتساوى رؤوسها ببقية طبقات الشعب، ووصولاً بالمسئولين عن وضع السياسات التعليمية والذين ــ إن أحسنا الظن ــ يجدون فى تخلى الدولة عن مسئوليتها فى توفير مصادر لتمويل التعليم وحفظ حق المواطن فى التعليم بغض النظر عن ظروفه الاقتصادية طريقا أسهل من خوض معركة حامية الوطيس ضد رؤوس الأموال المتعطشة للمزيد من المشاريع الاستثمارية التى تقدم خدمة تعليمية.

ولأن هذا الوضع يخدم أصحاب المصالح، تتعالى أصواتهم مرددة أن التعليم المجانى قد فشل، ويستندون على هذا «المنطق» ليبررون مزيدا من الخصخصة والتى وصلت إلى حد خصخصة المدارس والجامعات الحكومية.

ولكن دعنى أفجر لك المفاجأة عزيزى القارئ: ما نسميه نحن تعليم مجانى فى بلدنا لا هو تعليم ولا هو مجانى. المؤسسة التى تفرز طالبا فى الصف الثالث الإعدادى غير قادر على هجاء اسمه ليس بتعليم. التعليم الذى يجبر طلبته على الحفظ والتقليد ويحرم التفكير والابتكار والاختلاف ليس بتعليم.. والتعليم الذى يلجأ فيه الطلبة فى المرحلة الابتدائية للدروس الخصوصية ليس بمجانى. التعليم الذى لا يحفظ ماء وجه المدرس بدخل يكفل له حياة كريمة فيضطره للبحث عن مصدر آخر للتكسب والركض وراء الدروس الخصوصية ليس بمجانى. التعليم الذى تنعدم فيه دور المدرسة تماما فى الثانوية العامة ولا تنتظم فيه الفصول لأن المحاسبة غائبة ليس بمجانى.

أى تعليم مجانى نتهم؟ إن اتهام التعليم المجانى فى مصر تجنى واضح وغض طرف متعمد عن الأسباب الحقيقية للفشل. إذا كان هناك شىء يستحق الاتهام فهو الفشل فى التخطيط، والتخبط فى الإنفاق، والتقصير فى توفير مصادر لتمويل التعليم وجعله أولوية من أولويات الإنفاق. ولكن حينما ينص الدستور على 4% فقط من الناتج القومى للإنفاق على التعليم ونصفهم للإنفاق على التعليم الجامعى، يتضح لنا أين هو التعليم من أولوياتنا. وحين نقارن ذلك بأوجه صرف على قطاعات أخرى من الدولة لا تبدو فى محلها فى كثير من الأحيان يتبادر إلى الذهن تساؤل عما إذا كانت الإرادة السياسية لتعليم أبناء الوطن متوفرة حقا.

***

وتتوالى تصريحات صانعى القرار فى مصر كل فترة مهددة التعليم المجانى، تارة بالتصريح وأخرى بالتلميح، آخرها تصريحات الدكتور جابر نصار فى حواره الأخير المنشور بجريدة الشروق بتاريخ 8 نوفمبر الحالى، الذى جاء فيه على لسانه أن «المجانية ليست صنما نعبده» وأننا وصلنا «إلى درجة أصبحت إعادة النظر فى الأمر ضرورة»، وتباهى د. نصار فى الحوار نفسه بقدرته على توفير موارد مالية ضخمة لجامعة القاهرة وبأن الجامعة لو استمرت بهذا «النجاح» لن تكون بحاجة إلى موزانة الدولة مشيرا إلى أن الجامعة تضم 35 ألف موظف بخلاف أعضاء هيئة التدريس فى حين أن الجامعة بحاجة إلى خمس هذا العدد فقط.

إذا يتحدث د. نصار عن موارد مالية فائضة عن حاجته وعن تبديد تلك الموارد فى صورة مرتبات عمالة زائدة بالآلاف وفى نفس الوقت يتحدث عن ضرورة إعادة النظر فى المجانية. ولا يخفى على أحد وضع التعليم فى الجامعات الحكومية بشكل عام، وهو ما ينطبق أيضا على جامعة القاهرة، من تكدس وعدم نظافة ونقص شديد فى المرافق والمعامل والخدمات التعليمية وإهمال فى أوضاع المبانى.. ناهيك عن تردى البحث العلمى. إذا كانت الجامعة لديها فائض فى الموارد المالية تستطيع الاستغناء عنه فلماذا لا توجه تلك الموارد لإصلاح أوضاع التعليم؟

وفيما سئل رئيس الجامعة فى الحوار مرتين عن خطة إصلاح التعليم الجامعى، جاءت الإجابات مبهمة تنصب فى مجملها فى اتجاه وقف عدد من برامج التعليم المفتوح وتطبيق قانون الخدمة المدنية ومناهضة المظاهرات.. ولا شىء عن جودة التعليم.

إذا، فبينما تستمر أصابع الاتهام فى فشل منظومة التعليم فى الإشارة إلى مجانيتها، كانت الذريعة التى كررتها الحكومات المتعاقبة على مسامعنا هى قصر ذات اليد. أما الآن فنسمع عن توفر الموارد المالية وإمكانية الاستغناء عنها مع الاستمرار فى تبنى المزيد من سياسات الخصخصة التى تؤدى إلى مزيد من الفقر والطبقية. إذا كان المسئولون يرون أن هناك نسبة من المواطنين يستطيعون المساهمة فى تمويل التعليم عن طريق دفع مصاريفهم العالية، فلماذا لا يتم فرض ضرائب على هؤلاء القادرين تُضخ فى التعليم بحيث يتم الاستفادة من ذلك المورد فى إتاحة تعليم جيد للجميع يُميز الأفضل أكاديميا لا الأقدر ماليا ويستثمر فيهم.

التعليم مشروع قومى شديد الأهمية. والتمسك بحق التعليم المجانى والاهتمام بتطويره هو السبيل الوحيد لضمان ذلك الحق لمجتمع يعانى أكثر من ربعه من فقر مدقع. وتوفير تعليم عالى الجودة لا يميز بين الطبقات هو السبيل الوحيد لمجتمع متماسك آمن متقدم.

غافل من يعتقد أن توفير التعليم للطبقة القادرة فقط سيضمن لها الأمان والاستقرار المنشودين.
remove_circleمواضيع مماثلة
لا يوجد حالياً أي تعليق
privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى