مدرس اون لايندخول

وزارة التعليم تصدر 110 بيانات صحفية في 40 يومًا عبارة عن "مكلمة" .. "عاش الوزير ومات التطوير"

وزارة التعليم تصدر 110 بيانات صحفية في 40 يومًا عبارة عن "مكلمة" .. "عاش الوزير ومات التطوير" 2015-635782571511974870-197_main
ربما لو كانت القرارات التي اتخذها الدكتور الهلالي الشربيني، وزير التربية والتعليم، لتطوير وضبط العملية التعليمية، تساوي "ربع" البيانات الصحفية الصادرة عن الوزارة، منذ توليه المسئولية حتى الآن، لانتهت أزمات التعليم في مصر، وأصبح اسم الوزير لامعًا في تاريخ التعليم على مر العصور.

المفاجأة، التي تكشفها "بوابة الأهرام" في هذا التحقيق، أن الوزارة أصدرت 110 بيانات صحفية تتكون من نحو 24 ألف كلمة، خلال 40 يومًا فقط، غالبيتها يتحدث عن الوزير، وقراراته وتصريحاته وتحركاته واجتماعاته، وكانت الصدمة، أن جميع البيانات الصحفية خلت من أي قرار صارم، يقضي على كم المهازل التعليمية والأخلاقية التي انتشرت في المدارس وكأنها "داء"، لم يُصنّع له أي دواء.

وربما تناسى الوزير، أنه قال ذات يوم في اجتماع ضم اتحاد طلاب مصر "إن إصلاح المنظومة التعليمية، يحتاج إلى قرارات جريئة"، وقد لا يتناسى هذه المقولة، لكنه لا يستطيع اتخاذ قرارات جريئة، بل بإمكانه، وفقًا للبيانات الصحفية، أنه يستطيع بسهولة أن يبوح بكلمات "جريئة"، لا تخرج عن كونها "عبارات في بيانات".

وحسب بيانات الوزارة، فإن الهلالي، ترك مهامه الرئيسية كوزير للتربية والتعليم، وذهب للقيام بأعمال ربما ليست من صميم عمله الأساسي، خاصة عندما يصدر عنه عشرات البيانات الصحفية، بأنه أحال "كذا للتحقيق"، وأوقف "كذا عن العمل"، وجميعهم معلمون ومديرو مدارس في محافظات مختلفة، ما يثير تساؤلًا مهمًا حول جدوى وكيل الوزارة في هذه المحافظة، أو جدوى المحافظ نفسه، إذا كانت قرارات الإحالة إلى جهات التحقيق لا تصدر إلا من خلال الوزير.

ربما يتناسى الوزير- سهوا أو عمدًا- أن لديه وكلاء وزارة في المحافظات مهمتهم القيام بهذه الأمور، ولديهم تكليفات محددة، بينها ضبط العملية التعليمية وإحالة المقصرين إلى التحقيق، وليس من المنطق في شيء أن ينتظر كل مخطئ "تأشيرة" الوزير كي يحصل على عقابه أو وقفه عن العمل، أو إحالته إلى التحقيق، إذن فماذا يفعل المحافظون ووكلاء الوزارة في مناصبهم؟، إلا إذا كان الوزير يبحث عن "مزيد من الوجود".

في مقابل ذلك، فإن الجولات المفاجئة للوزير على المدارس، عكست مردودا إيجابيا عند كثيرين، لكنها كشفت الواقع الأليم التي تعيشه غالبية مدارس مصر، ومن يديرونها أيضا، خاصة عندما يكون التقصير من مدير الإدارة أو مدير المدرسة، وكأنهم يضربون بالتعليمات عرض الحائط، أو ربما لا يعيرون اهتماما بتهديدات الوزير، الذي يكتفي بإحالة الأمر إلى التحقيق، ولكن قد يتساءل كثيرون: ما مصير هذه التحقيقات؟ ولماذا لم تظهر للرأي العام؟ وإلى أي حد وصل العقاب لمن يساهمون بشكل أو بآخر في تدمير العملية التعليمية؟.. الله أعلم.

ففي ثاني بياناته الصحفية، عقب جلوسه على كرسي الوزير، صرح الشربيني بأن إصلاح التعليم يبدأ من المدرسة، ولكن إذا سألت عما جرى من إصلاح للمدرسة، في عهد الوزير، ستجد الواقع أبلغ رد، عندما تتابع حوادث العنف والإيذاء البدني بين المعلمين والطلاب، ودخول الآباء طرفا أصيلا في هذه المأساة، ناهيك عن هجرة الطلاب من المدارس، وتعرض بعض الأطفال الأبرياء للأذى، بسبب الإهمال الجسيم في الصيانة وتهالك الأثاثات داخل المبني التعليمي.

وفي ذات البيان، قال الوزير "نرفض الدروس الخصوصية، ونسعى للقضاء عليها"، لكن الواقع أثبت أن مراكز الدروس الخصوصية أصبحت أقوى من أقوال أو أفعال الوزير وتهديداته، مهما بلغ مداها، لتظل هذه القضية عبارة عن تصريح صحفي متكرر من الوزير، إذا ما أراد الظهور إعلاميا، في حال ما إذا خلت الوزارة من أحداث ذات قيمة إعلامية.

كانت لغة التهديد تارة، والتشديد تارة أخرى، هي السمة الغالبة على البيان الصحفي الثالث للهلالي، عندما تحدث عن ضرورة تسليم الكتب في موعدها، وهذا لم يحدث بعد، ثم عن الانضباط المدرسي وهذا أيضا لم يحدث بعد، إضافة إلى التشديد على انتهاء أعمال الصيانة قبل بدء الدراسة، وهذا كان من "الوهم" أن يحدث بعد، خاصة بعدما أصدرت الوزارة بيانا أمس الثلاثاء حول إصابة تلاميذ جراء سقوط زجاج الفصل عليهم، ما يؤكد أن الفعل لم يخرج عن "البيان".

تحدثت نحو 5 بيانات صحفية للوزارة، عن جولات الوزير المفاجئة على المدارس، وهذا أمر محمود، لكنه تلاشى رويدا رويدا، وبعد أن كان التصريح الأبرز للوزير في البيان الصحفي الثامن هو "انتهاء عصر الجلوس في المكاتب"، يبدو أن المسئولين وقيادات الوزارة فهموا الكلام خطأ، وتعاملوا بما هو عكس المراد، واعتكفوا بمكاتبهم المكيفة، ولو كان هناك من يسمع للهلالي من قياداته ووكلاء وزارته، لما وصل الحال في العام الدراسي الحالي لهذا التدهور.

الغريب، وبحسب التصريحات الواردة في البيانات الصحفية، أن الوزير في اجتماعاته بالمسئولين وزياراته للمدارس، يتحدث عن أمور "عامة"، وليس عن إجراءات عاجلة يتطلب اتخاذها فورا لضبط العملية التعليمية، خاصة عندما تسبق كل عبارة يتفوه بها كلمات مطاطة، على شاكلة "نسعى إلى كذا، نريد عمل كذا، نتمني كذا، نحلم بكذا"، برغم أن كل هذه المساعي والأمنيات والأحلام تتطلب قرارات عاجلة، يأسف كثيرون أنها لم تصدر بعد.

الوزير يرفض في بياناته الصحفية إهانة المعلمين، دون أن يتخذ أمرًا يبرهن به ما يقال، ويتحدث عن اعتماد لائحة انضباط صارمة العقوبات، دون أن يتخذ إجراءات فورية لتأكيد تطبيقها، ومحاسبة المقصرين، ثم يخرج لمناشدة القيادات والإداريين للتطبيق، وكأن الوزارة تعمل في دولة، والمدارس بدولة أخرى، والوزير يقف حائرًا بين الدولتين.

كان القاسم المشترك بين البيان الأول للوزير (يوم 19 سبتمبر) والبيان رقم 98 (يوم 25 أكتوبر)، أنه قال في البيانين بالنص: "حال التعليم لن ينصلح إلا بعودة الانضباط"، وكأن هذه العبارة لا تخرج عن كونها تصريحا صحفيا، لا يرقى لأن يتبعه قرارات قابلة للتنفيذ، لتحقيق "أحلام الوزير" التي داوم على ترديدها عبر عشرات البيانات، فأي شئ ينتظر الوزير حتى يعود الانضباط، من خلال سياسة تعليمية محكمة تضمن إصلاح حال التعليم بعيدا عن المسكنات؟!.

المثير للجدل، أن يصرح الوزير أن رجاله "يسعون جاهدين لتحديد أوجه القصور في المدارس بصفة خاصة والمنظومة التعليمية"، برغم أن معرفة القصور لا يتطلب سعيا، بل إن المواطن العادي يعرفها عن ظهر قلب، فما بين كثافة الفصول وتدني الصيانة وغياب تطبيق القانون واللوائح وانتشار المحسوبية والمجاملات وتجاهل التعليمات وغياب الضمير المهني وقدم المناهج وأساليب الامتحانات وإهانة المعلمين، كلها أمور حالت دون أن تكون مصر في مصاف الدول الراعية للتعليم، والأمر لم يعد بحاجة إلى بحث عن أوجه القصور بقدر ما بات في حاجة ماسة إلى اقتصاص الجذور لأوجه القصور.

لم يكن غريبًا بعد كل ماسبق، أن تخلو بيانات الوزارة الـ(110) من كلمة واحدة تتحدث عن مواجهة جبروت المدارس الخاصة التي تقهر الآباء والأبناء، وجهل مئات الآلاف من طلاب المرحلة الابتدائية للقراءة والكتابة، والتحقيق مع كل من فسد وما زال يسبح ورفاقه في بحر الفساد، ولكن يكفي أن الهلالي لديه رئيسا لقطاع التعليم العام بالوزارة، فاقدا لرؤى التطوير، ويعيش حالة من البيات الشتوى، تستمر معه طيلة مواسم العام.

ولكن، ربما ما قد يغضب الوزير لفترات قادمة، أنه خلال عشرات البيانات الصحفية، كان دائم التأكيد والجزم بتطبيق قرار العشر درجات على الحضور في التعليم الثانوي، وبدا وكأنه اعتبر هذا القرار بمثابة الانطلاقة الحقيقية نحو إزالة جميع العراقيل التي تعيق العملية التعليمية في مصر، ولكن لم تكتمل فرحة الوزير عندما صدمه رئيس الوزراء شريف إسماعيل، بإلغاء القرار، ليعود إلى مربع الصفر باحثا عن أمل جديد لإزالة العراقيل، ثم يخرج ذات الوزير ويصرح بأن إلغاء القرار جاء لـ"صالح العملية التعليمية"، برغم أنه قال سابقا إن تطبيق القرار يأتي في الأساس لـ"صالح العملية التعليمية".

من هنا يتبين أن الـ110 بيانات صحفية، كانوا عبارة عن "مكلمة" واجتماعات لم تخرج بشئ، وتعليمات لا تطبق، وتهديدات لا تجدي نفعا، ومناشدات لم تجد آذانا صاغية، سواء من المسئول الكبير، أو حتى أصغر مدير، ليبقى الحال كما هو عليه.. يرحل هذا الوزير، ويأتي ذاك الوزير، ويبقى الجهل والتدمير.
remove_circleمواضيع مماثلة
لا يوجد حالياً أي تعليق
privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى