مدرس اون لايندخول

كيف تتّخذ قراراتك بنفسك ؟

كيف تتّخذ قراراتك بنفسك ؟

أوّلاً وقبل كلّ شيء ، لا بدّ من أن
تتذكّر أنّ الحريّة ـ حقّ الحريّة ـ هي الامتناع عن أي استجابة لأيّ ضغط
سلبيّ يستهدف النيل من عزّتك وكرامتك وشخصيتك وإيمانك .

وقد يجهل بعض الشبان من حديثي العهد بالتجربة الحياتية ، معرفة الصحيح من
الخطأ في اتخاذ القرار ، فيقعون تحت ضغط الجهل مترددين ، أو قد يقدمون دون
مراعاة أو حساب للنتائج ، ولأجل أن تخفف من وطأة الضغط في اتخاذ القرار
المناسب ضع أسئلة لاكتشاف الصحيح ، من قبيل :

ـ هل هذا العمل يسيء إلى شخصيّتي ، أو أحد ممّن تربطني به علاقة حب واحترام ؟
ـ ماذا يقول عقلي وضميري عن ذلك ؟
ـ هل هذا من العدل والإنصاف ؟
ـ ما ردّ فعلي لو فعله غيري ؟
ـ ما شعوري لو فعلته ، هل سأكون راضياً مقتنعاً ، أو نادماً متألماً ؟
ـ ما هو رأي الذين أثق بهم وأحترمهم من الكبار في هذا العمل أو الخيار ؟
ـ هل هذا يرضي الله سبحانه وتعالى أم يسخطه ؟
ـ ما هي عاقبته ونتائجه ؟
ـ ما هي نسبة سلبياته في قبال إيجابياته ؟
ـ ما هو المعنى المحدّد للألفاظ والمصطلحات الواردة فيه ، فمثلاً ما معنى
(العيب) : هل هو ارتكاب المحرّم شرعاً ؟ أم الذي يبيحه الشرع ويستنكرهُ
الناس ؟ أو الحرج النفسي الشديد الذي تسببه لي تربيتي البيتية ؟


إنّ معرفة الإجابة عن هذه الأسئلة أو بعضها يقيك الوقوع تحت مطرقة الضغط ،
وكلّما كانت ثقافتك الإسلامية أوسع ، كان الضغط عليك أخفّ .

ومن هنا فإنّ المراد بـ (التفقّه في الدين) هو الثقافة الاسلامية بإطارها
الواسع ، وليست الثقافة الشرعية الواردة في كتب الفقه والرسائل العملية
والمتضمنة لمسائل الحلال والحرام .
العقل الجمعيّ :

أنّ الجماعة تعدّ ضاغطاً اجتماعياً كبيراً . وبالطبع يكون مردود الضغط
سلبياً بشكل خاص عندما تكون الجماعة ضالّة مضلّة ، أي التي تسخّر جهدك
وطاقتك ومواهبك في خدمة مآربها السيِّئة وأغراضها الدنيئة .

فلقد اعتبر (العقل الجمعي) وهو انصياع الفرد لما تردده الجماعة حتى ولو لم
يكن على قناعة تامّة به ، عقلاً سلبياً في مردوده على الفرد ، وإن كان
إيجابياً في مردوده على الجماعة . ففي بعض الدراسات الجماهيرية(()) يعبّر
عن جمهور العقل الجمعيّ بـ (الجمهور النفسي) وهو كائن مؤقت منصاع للغرائز ،
وقد يعبّر عن الشعور بالقوّة ، لكن صفات الجماعة هي التي تنعكس فيه ، وليس
صفات الفرد .
اُنظر إلى نفسك ـ مثلاً ـ وأنت تشارك في تظاهرة ، سترى أ نّك لا تتصرّف كشخصية مستقلة وإنّما كجزء من جمع .

ولهذا السبب نفهم لماذا طالب الله سبحانه وتعالى المتهمين رسوله الكريم
محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) بالجنون أن ينفضّوا عن الجماعة ، ويتحاور
كلّ إثنين مع بعضهم البعض ، أو كلّ فرد يخلو إلى نفسه فيحاورها ، ليروا
مدى صحّة هذا الاتهام أو بطلانه : (قل إنّما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله
مثنى وفرادى وأن تتفكّروا ما بصاحبكم من جنّة )() .

فالعقل الجمعي لا يعطي الفرصة في استقلالية التفكير ، وتكوين القناعة
الشخصية ، فحتى لو كانت الجماعة صالحة ، فلا بدّ من أن يخلو الانسان مع
نفسه للتبصر في قراراتها وأدائها ومسيرتها ، وهذا هو معنى (الاعتكاف) في
الاسلام ، فليس هو مجرد انقطاع عن الناس لأجلّ التعبّد ، وإنّما هو خلوة مع
النفس لمراجعة حساباتها .

وعلى هذا أيضاً ، فإنّ تنمية الثقة بالنفس والقدرة على صنع القرار واتخاذ
الاختيار المناسب ، تعدّ عاملاً مهماً من عوامل مواجهة الضغوط ، فحتى لو
هتف الناس بأ نّك ضعيف ، وأنت تشعر بالقوّة من خلال امتلاكك لامكاناتها ،
فيجب أن يطغى شعورك بالقوة على هتافهم بضعفك ، فقد ورد في الحديث أ نّه لو
كان بيدك (جوزة) وقال الناس عنها أنّها (لؤلؤة) فلا يجعلك ذلك تصدّق
إدعاءهم أنّها (لؤلؤة) . ولو كان في يدك لؤلؤة وقال الناس عنها أنّها جوزة ،
فلا يقلل ذلك من قيمتها في نظرك فتنخدع بما يقولون .
إنّ معرفتك بقدر نفسك تساعدك كثيراً في عدم الاهتزاز أمام الضغوط التي تمارس ضدّك .
حاذر من الانسياق إلى مقولات :

ـ (لا أستطيع السيطرة على نفسي ، هذا الشيء أقوى منِّي) .
ـ (لا أريد أن أتمرّد خارج السرب ، أو أكون خارج قوس) .
ـ (إذا لم أفعل ذلك فسيظنّون بي الظنون ، أو يسخرون منِّي) .
ـ (كلّهم يفعل ذلك ، هل بقيت عليَّ) .


فهذه المقولات معاول تهدّم صرح ثقتك بنفسك ، وتهدّ بنيان مقاومتك ، وتقوّض قراراتك واختياراتك .
فهل تعتقد أنّ النبيّ نوحاً (عليه السلام) كان يمكن أن ينجز التكليف
الإلهيّ ببناء السفينة لينقذ خيرة الناس من المؤمنين ، لو انهار أمام
سخريّة الذين كانوا يمرّون عليه وهو يبنيها وهم يضحكون من عمله ويستخفّون
به ؟

فإذا اقتنعت بصلاح عمل فلا تعر أذناً صاغية لكلام الناس ، وإذا اقتنعت
ببطلان عمل فلا تهتم بما يدّعون من أ نّه صالح ، أو يجب الأخذ به ، فهم لا
ينطلقون دائماً من حجّة دامغة أو برهان ساطع أو دليل قاطع ، بل كثيراً ما
يطلقون الكلام على عواهنه ، ولعلّك تتذكر قصّة (جحا والحمار) فلقد اعترض
الناس على كلّ الحالات التي تعامل بها مع حماره .

فحينما سار هو وابنه خلف حمارهما انتقدهما الناس بأ نّهما لم يستفيدا من
واسطة النقل المتاحة ، وحينما ركبا عليه معاً ، قالوا : إنّهما ظالمان
قاسيان فقد أثقلا ظهر الحمار ، وحينما ركب الأب وسار الابن خلف الحمار ،
اتهموا الأب بالأنانية لأ نّه لم يركب ولده ، وحين ركب الولد وحده ، قالوا
عنه أ نّه عاقّ لأبيه ، وحين حملا الحمار على عاتقيهما سخر الناس من
بلاهتهما !

ومن أبلغ ما يمكن أن تتذكره ، وأنت تشقّ طريقك بخطى واثقة في زحام كلام
الناس ، قول موسى (عليه السلام) لله تبارك وتعالى : «ربّ نجِّني من ألسنة
الناس ! فجاءه النداء : يا موسى ! أنت تطلب منِّي شيئاً لم أصنعه لنفسي» !!

وحتى لايختلط الفهم ويساء ، فليس كلّ كلام الناس مرفوضاً ، ففيه الصائب
وفيه الحقّ ، وفيه الخير ، وفيه الصالح ، وفيه النافع . ولكنّنا نشير إلى
كلام أولئك الذين يثبّطون العزائم ، ويسخرون من العاملين ، ويضغطون عليك
لتمارس عملاً منكراً لأ نّهم عملوه ، أو تترك معروفاً لأ نّهم تركوه ..
أولئك يريدون أن يوقعوك في الحفرة التي وقعوا فيها .

فدقِّق النظر جيِّداً ، فلقد قيل لحكيم : من أين تعلّمت الحكمة ؟ فقال : من
العميان ، لأنني رأيتهم لا يقدّمون رجلاً ولا يؤخرون أخرى إلاّ بعد أن
يتثبّتوا من مواضع أقدامهم !!
remove_circleمواضيع مماثلة
لا يوجد حالياً أي تعليق
privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى